بقلم: علي طه النوباني
ما أكثر أولئك الذين سوف يعلقون ساخرين من
هزيمة منتخب بنما الساحقة أمام المنتخب الإنجليزي الحديدي ضمن الدور الأول في كأس
العالم 2018 في موسكو، ولكني هنا سأتحدث عن جانب آخر من هذه المباراة العجيبة؛ فقد
بقي الجمهور البنميّ راقصاً ضاحكاً مبتهجاً رغم توالي الأهداف على مرماه إلى أن
وصلت إلى نصف دزينة.
لا أعرف ما الذي سحرني بالضبط في هذا المشهد،
ربما تمنيت أن أمتلك نفس الشعور اللامبالي عند الهزيمة وخاصة أن حياتنا في البلاد
العربية مجبولة على الهزائم من العيار الثقيل وعلى جميع المستويات، تلك الهزائم
التي نحافظ – خلافاً عن الجمهور البنمي – على عصبيتنا تجاهها، ففي كلِّ مرَّة تخرج
عيوننا من رؤوسنا، نتميز غيظاً، نكيل الشتائم مثل نافورة تفرخ قروداً وعفاريت حتى
نبلغ أقصى درجات العصاب وفقدان الصواب.
وربما أعجبني أن يخلق هؤلاء البنميون هامشا
للفرح للهدف الوحيد الذي حققوه مقابل نصف الدزينة الإنجليزية حيث تبادلوا القبل
ورقصوا وهنؤوا بعضهم؛ وكأنهم معنيون بلغة أخرى غير لغة الفوز والخسارة، لغة تتحدث
عن التواصل الإنساني والرغبة بدلاً من التشنج والاكتئاب.
أعترف أن هذا المشهد قد شوّقني للقراءة عن
بنما التي لم أكن أعرف عنها سوى أنها بعيدة جداً في أمريكا الوسطى، وفيها قناة
تربط بين المحيط الأطلنطي والمحيط الهادي، فوجدت أنها أسرع بلاد تلك المنطقة
نمواً، ويتعايش فيها عدد من الأعراق والأديان بشكل ديمقراطي جميل، وليس لديهم عدد
كبير من المرضى النفسيين والمصابين بالتوحد والفصاميين والمكتئبين والمصابين
بالبارانويا والنرجسية والأنانية المفرطة والدوغمائية الحالكة كما هي لعنة الشرق
الأوسط المبتلى، ولذلك يفرحون بالفوز ويحافظون على بهجتهم عند الهزيمة لأنها تأتي
ضمن الهامش المسموح به للعدد الكلي للهزائم الممكنة.
أما المهزومون دائماً وفي كل المستويات؛
فليبكوا وليطبلوا على رؤوسهم حتى تنفجر، وليغرقوا في طرق كتابة الهمزة وخلافاتها
المتشعبة، وليبحثوا في المسألة الزنبورية وواو الجماعة التي لا تعمل إلا في دنيا
الخراب، ولينشروا عفاريت كراهيتهم ودوغمائية منهجهم، والويل والثبور لأمة لم تتذوق
طعم النصر منذ زمن وليس لها هامش للفرح والبهجة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق