الاثنين، 25 يونيو 2018

بنما دولة بعيدة... ومُشوِّقة جدا


بقلم: علي طه النوباني
ما أكثر أولئك الذين سوف يعلقون ساخرين من هزيمة منتخب بنما الساحقة أمام المنتخب الإنجليزي الحديدي ضمن الدور الأول في كأس العالم 2018 في موسكو، ولكني هنا سأتحدث عن جانب آخر من هذه المباراة العجيبة؛ فقد بقي الجمهور البنميّ راقصاً ضاحكاً مبتهجاً رغم توالي الأهداف على مرماه إلى أن وصلت إلى نصف دزينة.
لا أعرف ما الذي سحرني بالضبط في هذا المشهد، ربما تمنيت أن أمتلك نفس الشعور اللامبالي عند الهزيمة وخاصة أن حياتنا في البلاد العربية مجبولة على الهزائم من العيار الثقيل وعلى جميع المستويات، تلك الهزائم التي نحافظ – خلافاً عن الجمهور البنمي – على عصبيتنا تجاهها، ففي كلِّ مرَّة تخرج عيوننا من رؤوسنا، نتميز غيظاً، نكيل الشتائم مثل نافورة تفرخ قروداً وعفاريت حتى نبلغ أقصى درجات العصاب وفقدان الصواب.
وربما أعجبني أن يخلق هؤلاء البنميون هامشا للفرح للهدف الوحيد الذي حققوه مقابل نصف الدزينة الإنجليزية حيث تبادلوا القبل ورقصوا وهنؤوا بعضهم؛ وكأنهم معنيون بلغة أخرى غير لغة الفوز والخسارة، لغة تتحدث عن التواصل الإنساني والرغبة بدلاً من التشنج والاكتئاب.
أعترف أن هذا المشهد قد شوّقني للقراءة عن بنما التي لم أكن أعرف عنها سوى أنها بعيدة جداً في أمريكا الوسطى، وفيها قناة تربط بين المحيط الأطلنطي والمحيط الهادي، فوجدت أنها أسرع بلاد تلك المنطقة نمواً، ويتعايش فيها عدد من الأعراق والأديان بشكل ديمقراطي جميل، وليس لديهم عدد كبير من المرضى النفسيين والمصابين بالتوحد والفصاميين والمكتئبين والمصابين بالبارانويا والنرجسية والأنانية المفرطة والدوغمائية الحالكة كما هي لعنة الشرق الأوسط المبتلى، ولذلك يفرحون بالفوز ويحافظون على بهجتهم عند الهزيمة لأنها تأتي ضمن الهامش المسموح به للعدد الكلي للهزائم الممكنة.
أما المهزومون دائماً وفي كل المستويات؛ فليبكوا وليطبلوا على رؤوسهم حتى تنفجر، وليغرقوا في طرق كتابة الهمزة وخلافاتها المتشعبة، وليبحثوا في المسألة الزنبورية وواو الجماعة التي لا تعمل إلا في دنيا الخراب، ولينشروا عفاريت كراهيتهم ودوغمائية منهجهم، والويل والثبور لأمة لم تتذوق طعم النصر منذ زمن وليس لها هامش للفرح والبهجة.


اقرأ أيضاً على حبيبتنا

أنشودة العرب، شعر: علي طه النوباني  

بنما دولة بعيدة... ومُشوِّقة جدا  

الأزمة الاقتصادية، ومصالح الطبقات  

قراءة في رواية دموع فينيس لعلي طه النوباني  

عَهْدُ فلسطين - عهد التميمي  

كذبة نيسان  

الشوكُ جميلٌ أيضا  

«مدينة الثقافة الأردنية».. مراجعة التجربة لتعزيز الإيجابيات وتلافي السلبيات  

المشنقة  

البيطرة  

قصة نظرة  

عملية صغرى  

سيجارة على الرصيف  

بالشوكة والسكين والقلم  

نهاية التاريخ؟ مقالة فرانسيس فوكوياما  

الدولة العربية الإسلامية / الدولة والدين/ بحث في التاريخ والمفاهيم  

شهامة فارس  

جذورالحَنَق الإسلامي برنارد لويس  

صِدام الجهل : مقالة إدوارد سعيد  

صدام الحضارات؟ صموئيل هنتنغتون 

الفضائيات والشعر  

كأسٌ آخرُ من بيروت 

عمّان في الرواية العربية في الأردن": جهد أكاديمي ثري يثير تساؤلات 

تشكّل الذوات المستلبة  

مشهد القصة بين الريف والمدينة  

وحدة الوجدان والضمير  

«المنجل والمذراة».. استبطان الداخل  

دور المثقف والخطاب العام  

جرش: حديث الجبال والكروم  

في شرفة المعنى 

المثاقفة والمنهج في النقد الأدبي لإبراهيم خليل دعوة للمراجعة وتصحيح المسيرة  

!!صديق صهيوني  

عنترُ ودائرةُ النحس  

فجر المدينة  

مقامة الأعراب في زمن الخراب  

دورة تشرين 

الغرفُ العليا  

الصيف الأصفر  

حب الحياة: جاك لندن 

قصة ساعة كيت تشوبن 

قل نعم، قصة : توبايس وولف 

معزوفة الورد والكستناء  

منظومة القيم في مسلسل "شيخ العرب همام"  

ملامح الرؤية بين الواقعية النقدية والتأمّل  

الرؤية الفكرية في مسلسل «التغريبة الفلسطينية»  

"أساليب الشعريّة المعاصرة" لصلاح فضل - مثاقفة معقولة  

كهرباء في جسد الغابة  

جامعو الدوائر الصفراء  

صَبيَّةٌ من جدارا اسمُها حوران  

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق