الأحد، 18 أكتوبر 2015

قصة نظرة



قصة : علي طه النوباني

هذه المرة تختلف اختلافاً جذرياً، فهو لا يطلب استعارة كتاب واحد وإنما نصف مكتبتي. نعم .. نصف المكتبة بما فيها من إهداءات شخصية من أصدقائي الكتّاب، وبما فيها من كتب نادرة اشتريتها في وقت لم أكن أملك فيه ثمن لقمتي.
قال لي أنه سيستعين بهذه الكتب في رسالة الدكتوراة ويعيدها، جلست على الكرسي بينما كان يبعثر مكتبتي كتاباً كتاباً، ويضع ما يختاره على الطاولة. دارت في رأسي أفكار عديدة وهو ينتقي العناوين التي تناسب مشروعه، وكان واضحاً أنه رأى أنني إنسان بلا مشروع ولا بأس لو اقتبس جزءاً من مشروعي اللامشروع وأضافه إلى مشروعه العظيم.
لا بدَّ أن أرفض هذا الجنون، كيف أوافق أن تسافر مكتبتي دوني، فكلُّ كتاب فيها مرتبط بفكرة ربما أنجزها في وقت أختاره أنا ولا أحد غيري... حتما سأقول له: لا أوافق، وسوف أرتب كتبي على رفوفها كما كانت. ولكن، كيف ستكون ردة فعله عندما أرفض؟ سوف ينظر نحوي نظرة ازدراءٍ معناها أنني شخصٌ لا أحترم الصداقة، وأنني أساهم في عرقلة مشروعه الثقافي الكبير الذي سوف ينقذ الأمة، وأنني أحسده على عبقريته ونبوغه، وأنني أرتكب موقفا فيه الكثير من النذالة لأني أتخلى عنه عندما يحتاجني.
انتهى من رف القصص وذهب إلى رف الدوريات ذات الحجم الكبير مثل مجلة أفكار وغيرها وأضاف إلى الكومة عدداً كبيراً منها. ثم اعتبر أنَّ موافقتي على استعارة نصف مكتبتي أمر محسوم  طالباً مني المناداة على ابني ذي الخمسة عشر عاماّ ليساعده في نقل الكتب إلى السيارة.
سافر مع نصف مكتبتي إلى القاهرة.
وتغيرت علاقتي مع مكتبتي منذ ذلك اليوم، فكلما حانت مني التفاتة نحوها  شعرت أنني أمام قصة غير مكتملة لا فائدة من قراءتها، وكلما أردت قراءة كتاب أو قصة وجدته غالباً مسافراً دوني إلى عاصمة بعيدة، والأنكى من هذا وذاك أن المكتبة - دون ذنب - أصبحت تذكرني بالفجاجة والتطفل والأنانية المفرطة.
مرَ عامٌ أو عامان، وذاتُ مساء جاء إلى بيتي بعد أن أنهى مشروعه ومعهُ المجلات ذات الحجم الكبير التي أبقاها في منزله لأنَّ سفرها معه مكلف كثيراً.
سألته عن المجموعات القصصية والكتب ذات القطع الصغير، فقال : لقد تركتها لدى صاحب البقالة المجاورة للشقة التي سكنت فيها في القاهرة ريثما أعود إلى هناك!
رمقته بنظرة مثل تلك التي كان سيرمقني بها لو رفضت إعارته نصف مكتبتي؛ لكنَّ تلك النظرة لم تعنِ له شيئاً على الإطلاق!
وطبعاً لم يعد إلى هناك حتى هذا اليوم.


اقرأ أيضاً على حبيبتنا

أنشودة العرب، شعر: علي طه النوباني  

بنما دولة بعيدة... ومُشوِّقة جدا  

الأزمة الاقتصادية، ومصالح الطبقات  

قراءة في رواية دموع فينيس لعلي طه النوباني  

عَهْدُ فلسطين - عهد التميمي  

كذبة نيسان  

الشوكُ جميلٌ أيضا  

«مدينة الثقافة الأردنية».. مراجعة التجربة لتعزيز الإيجابيات وتلافي السلبيات  

المشنقة  

البيطرة  

قصة نظرة  

عملية صغرى  

سيجارة على الرصيف  

بالشوكة والسكين والقلم  

نهاية التاريخ؟ مقالة فرانسيس فوكوياما  

الدولة العربية الإسلامية / الدولة والدين/ بحث في التاريخ والمفاهيم  

شهامة فارس  

جذورالحَنَق الإسلامي برنارد لويس  

صِدام الجهل : مقالة إدوارد سعيد  

صدام الحضارات؟ صموئيل هنتنغتون 

الفضائيات والشعر  

كأسٌ آخرُ من بيروت 

عمّان في الرواية العربية في الأردن": جهد أكاديمي ثري يثير تساؤلات 

تشكّل الذوات المستلبة  

مشهد القصة بين الريف والمدينة  

وحدة الوجدان والضمير  

«المنجل والمذراة».. استبطان الداخل  

دور المثقف والخطاب العام  

جرش: حديث الجبال والكروم  

في شرفة المعنى 

المثاقفة والمنهج في النقد الأدبي لإبراهيم خليل دعوة للمراجعة وتصحيح المسيرة  

!!صديق صهيوني  

عنترُ ودائرةُ النحس  

فجر المدينة  

مقامة الأعراب في زمن الخراب  

دورة تشرين 

الغرفُ العليا  

الصيف الأصفر  

حب الحياة: جاك لندن 

قصة ساعة كيت تشوبن 

قل نعم، قصة : توبايس وولف 

معزوفة الورد والكستناء  

منظومة القيم في مسلسل "شيخ العرب همام"  

ملامح الرؤية بين الواقعية النقدية والتأمّل  

الرؤية الفكرية في مسلسل «التغريبة الفلسطينية»  

"أساليب الشعريّة المعاصرة" لصلاح فضل - مثاقفة معقولة  

كهرباء في جسد الغابة  

جامعو الدوائر الصفراء  

صَبيَّةٌ من جدارا اسمُها حوران  

 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق