قطف العنب
قصة : عبد الله الحناتلة
على جانب الطريق الهارب من أرق المدينة يتقاوى كوخنا للقيام كما كومـــــة نفايات ، تحوطه بعشوائية قدرية حجارة مبعثرة ، الباب الخشبي بالكاد يحمل نفسه أو يصمد أمام انسحاب أحد الفئران من تحته فيسقط معلنا ليلة اعتكافية نرفــــع فيهـــا شعائر التذمر وطقوس الشتائم .
عندما أحاول الاستسلام للنوم أكبِّل أجفاني بإغماضه تتخللها تأوهات وهـمهمة تقض مضجعي مع طنين البعوض الذي أدمنته ، وعندما أمله أضرب قدمـــي حنـــقا متخللة فتوق لحافي البالي المرتوق بخيوط السنـــــين الثكلى وعـــــنوة أدخل لـــــــيلتي الكابوسية المعتادة .
صوت رجل غريب في بيتنا، وإضاءة شديدة تدخل أحزمة من الباب المشــقق كاشفة عري كوخنا ، أمي تعانق صاحب الصوت الذي يقال أنــــه خـــالي ، أبــي يتصاغر أمامه ، و سيارته تكبر كوخنا ، يحملني صاحــب الصوت يقبلني ويدعنـي إلى الأرض التي عشقت أقدام أبي فلم يبرحها أبدا .
ـ مرحبا بك، البيت بيتك .
ـ بارك الله فيك
ـ أين الأولاد ؟ سألت أمي
لكنه لن يحضرهم خشية أن تزكم أنوفهم رائحة كوخنا ، وأجاب عند أخوالهم .
استسلم للنوم عبر هذا الحديث لأصحو مبكرا دون أن توقظني أشعة الشمــــس هاتكةً ستر بابنا الخشبي كما كل يوم ، فقد حجبتها هذه السيارة التي كانت بســـــــعة الطريق، ألتف حولها ، عبقها يفجر في النفس نشوة الاغتراب ، تحاكي الشمس لمعاناً ، سيارة إذا ما اتخذناها كوخاً لن أسمع تأوهات أمــــي وهمهمة أبي ، لن يدخــــــــلها البعوض فيؤذيني .
ما زال النوم يخيم فوق رؤوسهم ، وأنا ألتف حولها ، قطف من العنب يستثير شهيتي ،يتدلى في واجهتها ، الأبواب مغلقة ، أدور حولها كما قط جائع اشتم رائحـة اللحم ، أبحث عن منفذ لذلك المترفّه بكل إباء...ها...هذا منفذ لزجاج لم يغلــق جيداً ، يدي لن تدخل لكن عصا أو قضيــباً من المعدن قطعاً سيدخل ، حاولـــت جاهدا استخراجه حتى انفجر الزجاج وتراكم على الأرض، كان لذلك دوي ، أيقظ الجميع، فلذت بالهرب ، وأخذوا يبحثون عني لكني أويت إلى الأرصفة المزدحمة بقرقرات النساء، وثرثرة العجلات ، وعندما توارت الشمس حاملة حقيبة نورها ، أخذت أبحث عن مكان أحتجب فيه عن نظرات المشمئزين مني، أبحث عن فتات خبز ألقاه بعــــض المارة ، مستبقا إليه القطط لأسُدَّ به بعضاً من رمقي .
لابد أنّ أمي تولول وتضرب بكفيها على فخذيها ، لابد أنها ستحتجـــب عـــــن والدي هذه الليلة ، ستبكي طويلا ، لن تنام ، وستوقظ الشمس باكرا لتبدأ رحلة البحث عني .
في اليوم التالي استطاع خالي أن يعثر علي دون أن أراه ، وجدني ملتـــــــــفا بقطعة من الكرتون ، وكعادتها الشمس أيقظتني هذه المرة ، لكن ليس عبر شـــــــقوق الباب بل بانعكاس تام من واجهة زجاجية لإحدى العمارات ، تركنـــــي دون أن أراه ،خشية هروبي ثم جاء بعد وقت قصير ، جاء بقطف العنب ، جاءني يحملــــــه ، فلما رأيته خشيته ،أردت الهروب. استوقفني ، أرجوك يا خالـــي لا تهرب ...تعال وخذ قطف العنب ...أوقفتني شهيتي ، ربما لا أستطيع ذوق العنـــــــب بعد هذه المرة ...سآكل العنب إن توقّفت ...أدركني خالي والعنب يتخطّف بصـــري ويشلُّ أقدامي ، تناولتُ قطف العنب حاولت تذوق حبةٍ منه، لم تنقطع ضغطت عليها شددتها؛ لكنها لن تنقطع ...........فعرفت أنه عنب بلاستيكي يزين سيارة خالي !؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق