الثلاثاء، 14 يوليو 2015

الدولة العربية الإسلامية / الدولة والدين/ بحث في التاريخ والمفاهيم


محمد سعيد طالب


 الطبعة الأولى 1997 الأهلية للطباعة والنشر.


عرض وتقديم



قتح كساب

 

ينقسم الكتاب إلى مقدمة و 15 فصلا تعالج مسائل الحكم وارتباطه بالدين منذ بدء الاستقرار الأول للبشرية . حيث يستعرض في الفصول الخمسة الأولى تطور شكل الدولة القديمة مستخدما الأسطورة للحديث عن شكل الدولة ومراحل تطورها البطريركية والأمومية و الإله الابن. ويرى الكاتب ان الدولة النواة بدأت مع الاستقرار الزراعي الأول وأن الجماعة البشرية كان يتحكم بها وبفائض انتاجها الإله الأب ليصرف شؤون الجماعة مستخدما فحولته البدنية وإمكاناته العقلية إضافة إلى سيطرته على إنات الجماعة وتقنين اقتراب الذكور الآخرين منها. أدى هذا إلى تصاعد النقمة على الأب الأول أو الأب الإله حيث نشأ تحالف بين الأبناء الذكور والزوجات وقاموا بقتله. تأتي بعد ذلك المرحلة الأمومية وفيها سادت مشاعيى الزوجات والأبناء وأدوات الإنتاج برعاية الأم الكبرى التي جعلت كل شئ حرمه الأب مباحا. وفي هذه المرحلة أيضا تطورت أدوات الإنتاج وازدهرت التجمعات السكانية, لكن الخلافات دبت بين الأبناء الذكور على ملكية أدوات الإنتاج وسيطرة الأم الكبرى واعتقدوا أن ما يحصل من مصائب سببه لعنة دم الأب المقتول, فندموا وبدأوا بالترويج لفكرة الطلب بالثأر وبدأوا بإقامة طقوس الندم على قتل الأب وتقديس دمه ومن هناك بدأت فكرة الدين وسادت الفوضى والحروب مما أضعف سلطة الإلهة الأم وبرز شكل ثلاثي جديد هو الأب والأم والابن. حيث برز دور الملك الإله الإبن القوي كعلامة على المصالحة بين الأب والأم وظهور الدولة القوية المنظمة حيث ظهرت في هذه الفترة القوانين الناظمة للحياة مثل شريعة حمورابي 1750 ق م وأورنامو 2112 ق م. وهذه الفترة هي فترة الاندماجات الطوعية أو القسرية المبنية على القوة – صعود آلهة وسقوط أخرى/ الملك ابن الإله. ومن فائض القوة هذا نشأت الامبراطوريات وظهر الملك الإله عند الفراعنة.
ويفرد الكاتب فصلا كاملا للدولة المدنية في اليونان والديمقراطية الأثينية والمراحل التي مرت بها.
1-    الزراعية التي تميزت بتحكم العشائر الكبرى بالإنتاج والسلطة .
2-    مرحلة الإصلاحات التي قادها صولون إبن طبقة التجار .
3-    مرحلة الطغاة في فترة الاضطرابات الانتقالية التي قادتها الأرستقراطية الزراعية .
4-    المرحلة الديمقراطية.

ويرى أفلاطون أن الدولة تقوم على ثلاثة أسس: العقل -يمثله الفلاسفة والحكماء ( الكهنة ) , القوة – الفرسان والمحربين الأرستقراطيين, العمل- عامة الناس والعبيد.أما أرسطو فيعتبر أن أصلح أشكال الحكم ثلاث: الملكي- الحاكم فيه فرد يحكم بموجب القانون, الأرستقراطي- بيد قلة منتخبة متميزة تحكم بموجب القانون, النظام الدستوري- وتكون السلطة فيه للأغلبية. بعد ذلك ظهرت الدولة الإمبراطورية الكونية التي قادها الاسكندر المقدوني وجعل من نفسه الها, وترسخ في تلك الدولة دور المثيولوجيا الخلاصية نتيجة تكريس شكل الانتاج القائم على قوة العبيد حيث كان للأساطير التي صاغها الفلاحون والعبيد الثوار الدور الكبير في زعزعة أو استقرار الدول القائمة. وأخيرا ظهرت روما الجمهورية بقوانينها الناظمة للحياة والدولة. وظهر فصل السلطات : الشيوخ والقناص و محامي الشعب. ومع كثرة القلاقل والمؤامرات ظهر الامبراطور الإله كحاجة لتوحيد الامبراطورية المترامية الأطراف التي تحتوي على أجناس وديانات شتى كان الامبراطور فيها هو الإله الأكبر والأقوى مع ضمان حرية ممارسة العبادات والطقوس للجميع.
في الفصل الثامن يعرض الكاتب لممالك اليمن حيث صيغة الثالوث الإلهي – الأب والأم والأبن هي الصيغة الدينية السائدة, والعلاقة بين المعبد والقصر علاقة تبعية حيث يخضع المعبد للقصر ولكنه يدار من قبل الكهنة. وكان الملك الحميري يحكم باسم الثالوث الإلهي. ويأتي بعده الأقيال وهم سادة قبائلهم والمدن الكبرى التي يعيشون فيها وهم من يختار الملك وإن اجتمعوا على عزله عزلوه. ثم يأتي بعد ذلك الأذواء وهم سادة العشائر أو النواحي والقرى الصغيرة. أما في ديدان ولحيان فكانت الدولة تستند على الثالوث الإلهي وكان الملك يحكم باسم الإله الحامي للقوافل (إيلاف) ويساعده مجلس الشعب (ها جبل). وعندما ضعف الملك حكم ها جبل منفردا. ومع ضعف الدول في اليمن ازدهرت مدن مثل مكة ويثرب والطائف واليمامة. وكانت هذه المدن تستند إلى تحالفات الطبقة التجارية مع طبقة الكهنوت الديني وشكلت مجالس تسمى الملأ.
جاء ازدهار مكة كمركز تجاري ديني على يد قصي بن كلاب بعد انهيار سلطة خزاعة التي كانت تستمد من الممالك العربية الجنوبية . وتروي المصادر التاريخية لجوء قصي إلى المصاهرة والخدعة للإستيلاء على مفاتيح الكعبة من أبي كبشة الخزاعي. لكن الواقع ان قصيا استعان بحلف مكون من هوازن وبني المطلق وبني بكر وبعض بني عذره والحاكم البيزنطي للولاية العربية للتغلب على خزاعه واليمن واصبح كاهاً أكبر للكعبه وحاكماً على مكه , ثم نشأ دار الندوه لتكون مجلس الشيوخ وإدارة المدينة وإصدار التشريعات وتقرير السياسات مع المدن والقبائيل المجاوره . وبالنسبة للآليه فقد وضع قصي جميع ألهه والعرب الشمالية والجنوبية في الكعبة وحولها وجعل هبل الاله الحامي لقريش وقام بتثبيت روابطه مع القبائل لتثيب مكانه مكه من طريق المصاهره والاحلاف وبعقد الايلاف مع الفرس والروم والاحباش وقد تعرضت مكه لكثير من المضايقات والغزوات لزعزعة مكانتها الدينيه والتجارية إلا أنها باءت بالفشل لقوة الآحلاف والروابط التي أقامتها قصي.
أما يثرب فكانت المقر المنافس لمكة لانها كانت مركز القبائل العربية الجنوبية القوية الأوس والخزرج وكذلك قبائل اليهود، حيث كانت مركزاً زراعياً تجارياً ثقافياً كان فيها اليهود والمسحيين وكانت دار اجتماع يثرب تسمى بالسقيفه حيث تقع يجمع أطراف الحلف الاوس والخزرج واليهود التداول في أمور المدينة المحتلفة . وكانت يثرب تقدير مجمع الآلهه الجنوبي : ود وسواع ويفوت ونشر والرحمان وحيمم
يعتقد الكاتب ان تكون الدولة الاسلامية مغلف بغلاف اسطوري تاريخيا لدرجة أنه يعتقد المتتبع  للتاريخ أن على الانجازات العظيمه تمت في يقارب العشرة أعوام وهو من الهجرة حتى وفاة الرسول (ص) حتى ليتخل بأنها معجزة ، ولكنها معجزة صنعها الناس  بتضحيات جسيمه مالية وبدينة وكفاح عسير مستمر. ويعتقد الكاتب أن اللاحقين امتننعوا عن نبش الماضي لأن الغلاف الاسطوري هو العلم والمعرفة المراد وإعادة انتاجها في العصور التالية لمواجهه الطوارىء والمحن الكبيرة سواء كانت سياسية أو اقتصادية بشكل يبتعد عن مساءلة القائمين على الأمر.

بدأت ملامح الدولة بالتكون عن طريق ظاهرتين – الأولى – هي تغير الخطاب القرآني من خطاب عقائدي تصدى لمسالة التوحيد والشرك إلى نصوص تشريعية تنظم حياة الناس وتحل ما يطرأ من مشاكل أو معضلات فردية كانت أم جماعية لتتناسب وروح العهد الجديد دوولة المؤمنين في يثرب التي تغيرت الى المدينة المنوره . والظاهره الثانية هي الصحيحية التي حددت فئات المجتمع الجديد قريش وأهل يثرب والمهاجرين عموما واليهود والنصارى حيث نظمت الامور السياسية والمالية وشؤون الحرب والسلم 142 حيث ظهر مصطلح الامة ليعبر من مجتمع يثرب الجديد ومع تشريع الجهاد وبروز المهاجرين كمقاتلين عن حقوقهم التي سلبتها قريش واستمراره طيلة حياة النبي في المدينه ، أدى ذلك إلى بروز طبقة المحاربين وبخاصة القادة الذين تميزوا خلال هذه المرحله . مما حول جزءا كبيراً من المهاجرين وبعض الانصار الى ما يشبه المتطوعين المحترفين والذين سي  لعبون دوراً بارزاً في مستقبل الدولة والأمة . ولعب عدة عوامل دوراً في تغيير واقع يثرب من أهمها :-
أ – تغيير ثقافي : تعليم الصغار والكبار القراءة والكتابة وتحول المسجد إلى المدرسة ومكان اجتماع  للخطابة السياسية والدينية بالاضافة الى وظيفة العبادة الاساسية.
ب – التشريعات الجديدة الزواج والطلاق وتشريع التعدد وخاصة بعد تشريع الجهاد وبدا توافد الغنائم وخاصة السبايا مما أدى إلى حالة من الخلخلة الاجتماعية وخاصة فيما يخص حالة النساء ، واصبح التعدد هو الأساس.
ج – تحول يثرب إلى مدينة دولة ، أصبحت وجهة المهاجرين وقاعدة الدولة التي بدأت بالتوسع بعد فتوحات الجزيزة العربية وكذلك كانت تفد إليها وقود القبائل البيعه أو التحالف.

يحدد الكاتب مكونات الدولة المدينة الجديدة ومحيطها من خلال دراسته لسورة التوبة وموقف الاسلام او الدين من مكون منها:
1-     المشركون: الذين مازالوا على دينهم القديم ملم يحاربو الرسول ودخلوا في تخالفات معه وع ذلك فقد نزل أمر بقتالهم حتى يسلموا ويقيموا شعائر الاسلام (155)
2-    الأعراب : اتسم خطابهم بالتهديد والوعيد والترغيب تارة آخرى لدمجهم في الحياة الجديدة كون الاسلام دين مدني بمفاهيمه ومناهجه ونمط الحياة الذي يؤسسه وبقيت صورة الاعراب سلبيه في القرآن الكريم (155) صورة تتسم بالنزاع والغدر متبوعه بالوعيد الشديد.
3-    المنافقون: هم مجموعه من أصل يثرب الذين تهددت مصالحهم ومطامحهم وانتهت بقدوم الاسلام وعلى راسهم عبدالله بن ابي سلول الخزرجي الذي كان على وشك التويج ملكاً على يثرب .
4-    اليهود والنصارى : وبدأت العلاقة معهم بالحوار والمحاججه وانتهت بالقتال والحض على مقاتلتهم ليبقى الاسلام هو الدين الاوحد في جزيرة العرب
5-    الانبياء الكاذبون: وظهروا في مناطق الاستقرار الحضري القديم واعتبروا انهم ليسوا اقل من مكة ولا من سادتها مثل اليمامه ، وتم التعامل معهم بطرق مختلفة ابتداً بتخصيص جزء من اموال الصدقات لهم أو بقاءهم سادة على قبائل إلى محاربتهم أو محاصرتهم.
6-    المؤمنون وهم أ – المهاجرون  وهم الاكثرية والاكثر وعيا وتجربة وايمانا واربتاطاً بالنبي والممارسة الثورية لخلق عالم جديد. ب – الانصار وهم الذين اووا ونصروا المهاجرين واصبحت مدينتهم دار الاسلام وقاعدة الجهاد. ج- الاعراب : دخلوا الاسلام افواجا بعد الفتح (مكه) وشكلو جماهير واسعة مسلمة بدون إيمان أكيد وكان اسلامهم نفعيا.
التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية: برزت تشكيلة جديدة ذات نمط انتاجي جديد هو النمط الاقطاعي الخراجي التجاري, وكان ذو لغة واحدة ومرجعية تشريعية وحياة اقتصادية مشتركة ودولة واحدة.
كانت غالبية المهاجرين من صغار ومتوسطي التجاروالمحاربين في اغلبهم الأعم وفئة قليلة من كبار التجار. أما النصار فقد كانوا أهل زراعة وتجارة بالدرجة الأولى وكان اليهود هم رأس المال المتحكم في يثرب.
أما التشريع والسياسة فقد استندت إلى:
1-    الله المشرع  ومصدر الوحي. 2- القرآن الكريم. 3- الرسول (ص) . 4- مجلس كبار الصحابة والذي يضم زعماء المهاجرين والأنصار. 5- مجلس كتبة الوحي. 6- الدعاة: مبعوثي النبي للقبائل والقرى والمحالفين لنشر الإسلام. 7- المسجد: عبادة وتعليم ومجلس سياسي واجتماعي. أمراء الجهاد وقادة السرايا: يختاروا ون كبار الصحابة الفرسان ذوي الخبرة في الحرب. 9- الأمراء والولاة والعمال.
دولة الخلافة الراشدة:
لقد وعى الصحابة أنهم بعد موت الرسول يجب أن يتدبروا أمورهم ليس بوحي السماء بل انطلاقا من واقع الأرض. ويعتقد الكاتب أن العلاقة بين الخليفة والمجتمع كانت أشبه ما تكون بالديمقراطية من حيث ابداء الرأي في الأمور العامة وفي السياسات المقررة وكان يحق للجميع محاسبة الخليفة وعماله. وكانت الحالة الأوضح فترة خلافة عمر بن الخطاب حيث استتبت الأمور وانتهت حرب الردة وتفرغ المسلمون للبناء والفتوح.
بدأت مع عمر مرحلة بناء الدولة ذات المؤسسات حيث أدخل الدواوين وعين القضاة والمحتسبين. وخرج بقرارات ثورية منها : منع استرقاق العرب, إعادة تجميع القبائل, وإخراج أتباع الديانات الأخرى من جزيرة العرب. كذلك أمسك الصحابة في المدينة ومنعهم من الانتشار في الأمصار وغير معايير العطاء بحيث أصبح المعيار هو الأسبقية في الإسلام ومنعه عن المؤلفة قلوبهم وكان التوزيع أقرب إلى المساواة مه إلى أي شيء آخر.
ويعتقد الكاتب أنه نتيجة لخوف الأرستقراطية القرشية ومن حولها من الإيلاف القديم على وضعهم السياسي والاقتصادي فقد تآمروا لقتله بيد أبي لؤلؤة الفارسي غلام المغيرة بن شعبة للتخلص من سياساته المساواتية.
حادثة السقيفة:
ظهر الانقسام واضحا جليا بين المهاجرين والأنصاربعد وفاة النبي حيث اجتمع المهاجرون في بيت فاطمة بنت النبي واتفقوا على أن تكون الخلافة في المهاجرين وفي قريش بخاصة. واجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة واتفقوا على أن تكون الخلافة فيهم واتفقو على أن تكون في سعد بن عبادة الخزرجي. ولكن تفوق المهاجرين عددا وجيش أسامة المرابط على أطراف المدينة  وتحول الأوس عن مساندة الخزرج أدى إلى مبايعة أبي بكر. 255
لقد استنتج الفقهاء قواعد فقهية دستورية من هذه الواقعة:
ا- الخلافة شورى.
ب- البيعة الخاصة- أهل الحل والعقد.
ج- البيعة العة العامة- في المسجد.
د- الاجماع شرط ضروري لإقامة الإمام وتأسيس الدولة.
ه- الأئمة من قريش.
و- بايع الأنصار راضين. وهذا غير صحيح بدليل عدم مبايعة سعد بن عبادة وأهله لأبي بكر وعمر من بعده وقول حسان بن ثابت شاعر الرسول
إن الأعاريب قد عزوا وقد كثروا                        وابن الفريعة أضحى بيضة البلد.
وكان للإكراه دور في بيعة الأنصار.
وكانت خلافة عمر بالتوصية, وأما خلافة عثمان فكانت بقرار مجلس المبشرين بالجنة الذين حرصوا على استبعاد علي بن أبي طالب حتى لا يستمر بسياسة المساواة التي اختطها عمر.
وقد تحول شكل الدولة من الشكل الشوري القائم على حق النقد والمحاسبة إلى شكل الدولة الملكي الوراثي القائم على إحياء الحالفات التجارية القديمة  ودفع الرشى الملية والوظيفية في عهد معاوي ويزيد وحولت إلى دولة الاستبداد والتغلب والقهر في العد المرواني ورفض النقد والمحاسبة. 240 والأمثلة كثيرة على قتل الفقهاء المعرضين مثل عمرو المقصوص وغيلان الدمشقي وجهم بن صفوان.
مع ظهور الفرق الإسلامي ظهرت نظريات فقهية مختلفة في الدولة والإمامة:
1-    الخوارج: الخلافة مسألة دنيوية تعود إقامتها للجماعة إن رأت ضرورة لذلك. وهم يرون تولية الأفضل بغض النظر عن أصله. ومعاييرهم الإسلام والكفاءة.
2-    الشيعة: الإمامة ركن من أركان الإيمان وهي محصورة في آل بيت النبي من عقب علي – الحسن والحسين حصرا.
3-    المرجئة : السلطان من الله ولا يجوز القتال ضد الخليفة الحاكم.
4-    القدرية: قالت بإقامة الإمامة على مباديء العقل والمصالح المتبادلة والمشتركة بين المسلمين.
5-    المعتزلة: لا ضرورة ولا أمر إلهي ملزم بإقامة الدولة إن استطاع الناس تسيير أمورهم بأنفسهم.
واعتمد الأمويون على التحالفات القبلية تارة وعلى الوقيعة بين القبائل والرشى تارة أخرى لتوطيد حكمهم المرتكز على القوة الغاشمة وسيادة العنصر العربي في مؤسسات الدولة الساسية والعسكرية وكذلك استخدام فقهاء من طراز المرجئة لتبرير ظلمهم وبطشهم بالناس.
وعند حلول العباسيين محل الأمويين ابتعدوا عن التحالفات القديمة واستبعدوا العرب واعتمدوا على نظرية الحق الإلهي في الحكم وأنهم ظل الله وسلطانه على الأرض واستكثروا من الموالي  والمرتزقة وأسقطوا العرب من ديوان الجند وبدأت بعدها دوامة الحرب الأهلية في عهد المتوكل الذي استعان بالجند المرتزقة لإسقاط أخيه والحلول محله واستحدث مصطلح أهل السنة والجماعة وحدده بمن سانده من الفقهاء الأشعرية ونكب المعتزلة الحركة القائمة على أسس عقلانية لبناء الدولة.
وكذلك تم استحداث منصبي الوزارة والحجابة  لحجب الخليفة عن الناس وتطبيق نظرية العباسييبن في الحكم- الخليفة المحجوب ظل الله على الأرض.
وفي العصر العباسي الثاني ظهر منصب السلطان- وهو منصب استحدثة الجنود المتغلبة من الترك والديلم والسلاجقة الذين استولوا على الحكم الفعلي وحولوا الخلافة إلى أمر شكلي ليس للخليفة فيه إلا ختم المراسيم الت يكتبها السلطان والدعاء له على المنابر. وفي تلك الفترة المضطربة سياسيا واقتصاديا وأمنيا بدأ ما يسمى فقه الأحكام السلطانية بالظهور لتبرير وجود هؤلاء في الحكم وبطشهم بالناس ونهبهم لأموالهم بحجج مختلفة لا مبرر لها سوى تغطية أسرافهم وتبذيرهم على ملذاتهم وشراء ذمم المتنفذيمن من العمال والبروقراطيين لضمان بقاءهم في الحكم. وقب استعراض الآراءالسياسية  والفقهية المبررة للظلم والبطش  لا بد من استعراض سريع للنماذج التي حكمت الدولة العربية الإسلامية في العصور المختلفة:
1-    نموذج الدولة الديمقراكية الثورية وهي فترة حكم الرسول وابي بكر وعمر.
2-    نموذج الدولة الأرستقراطية الفبلية العربيةواليمقراطية التجارية منذ عهد عثمان وحتى نهاية العصر الأموي.
3-    الدولة الأرستقراطية الشعوبية والبيروقراطية الأممية منذ السفاح وحتى عهد المتوكل.
4-    الدولة البيروقراطية الإقطاعية العسكرية منذ المتوكل الذي استلم السلطة بمساعدة الجيش المرتزق.
يستعرض الكاتب بعض آراء الساسيين والفقهاء والأدباء:
1-    ابن المقفع في كتاب رسالة الصحابة ( طاعة الخليفة واجبة ولو جاءت مخالفة لأحكام الشريعة).
2-    الإمام أحمد بن حنبل عن الإمامة ( إنها إلى من غلب عليهم بالسيف صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما برا كان أو فاجرا).
3-    القاضي ابن جماعة (إن صاحب الشوكة له حق في الحكم إلى أن يقوم آخر أقوى منه وينتزع منه السلطة ويحكم بدلا منه).
4-    أبو الحسن الأشعري- مقالات الإسلاميين ( وقال قائلون السيف باطل ولو قتلت الرجال وسبيت الذرية, وأن الإمام قد يكون عادلا ويكون غير عادل وليس لنا إزالته وإن كان فاسقا وأنكرو الخروج على السلطان وهذا قول أصحاب الحديث).
5-    ابن عبد ربه – العقد الفريد- باب السلطان ( الحاكم ظل الله على الأرض والسلطان حمى الله في بلاده وظله الممدود على عباده, إمام عادل خير من مطر وابل وإمام غشوم خير من فتنة تدوم, طاعة الأئمة من طاعة الله وعصيانهم من عصيان الله, الإمام العادل كالأب الحاني على ولده, إن كان الإمام عادلا فله الأجر وعليك الشكر وإن كان الإمام جائرا فله الوزر وعليك الصبر).
6-    الجاحظ وهو من مفكري المعتزلة وله رأي في الإمام العادل وشروط ظهوره عند شيوع الظلم:
أ‌-       تداعي السلطة الجائرة وانتفاض الناس عليها واتساع السخط ضدها.
ب‌-  زوال الشروط التي كانت تستدعي الاختفاء والتقية.
ت‌-  انحياز العامة إليه أو وقوفهم على الحياد.
ث‌-  عموم الظلم واتساعه لتطال غالبية الخلق.
ج‌-    التنظيم والاعداد في صفوف الخاصة والدعاية  والتحريض في صفوف العامة.
7-    الفارابي بالغ في مثالية مدينته الفاضلة وغالى في طهر وألوهية إمامه لدرجة يستحيل إيجاد مثيل لحاكم مدينته الفاضلة.
8-    أبو العلاء المعري : كان أشد الناقمين على الظلم والعسف الذي تعرض له الناس ولم تعنه كثيرا  هوية الظالم. فالظلام سواسية في ظلمهم . وأول ما يستوقفك في لزوميات أبي العلاء هو طرحه فكرة أن الحكام ما هم إلا أجراء عند الناس – العقد الاجتماعي.
مل المقام فكم أعاشر أمة                             أمرت بغي صلاحها أمراؤها
ظلموا الرعية واستجازوا كيدها                     فعدوا مصالحها وهم أجراؤها
وقال في من ينتظرون المخلص :
          يرتجي الناس أن يقوم إمام                           ناطق في الكتيبة الخرساء
          كذب الظن لا إمام سوى                                       العقل مشيرا في صبحه والمساء
وقال في هوي الظلمة:
          عرب وعجم زائلون وكلنا                           في الظلم أهل تشابه وجناس
          لقيت من زيد وعمرو مثلما                          لاقيت من زنك ومن أشناس
وقال في الفقهاء وأصحاب المذاهب الذين برروا ظلم الحكام:
          إنما هذي المذاهب أسباب                            لجذب الدنيا إلى الرؤساء
كالذي قام بجمع الزنج بالبصرة                     والقرمطي بالإحساء

اقرأ أيضاً على حبيبتنا

أنشودة العرب، شعر: علي طه النوباني  

بنما دولة بعيدة... ومُشوِّقة جدا  

الأزمة الاقتصادية، ومصالح الطبقات  

قراءة في رواية دموع فينيس لعلي طه النوباني  

عَهْدُ فلسطين - عهد التميمي  

كذبة نيسان  

الشوكُ جميلٌ أيضا  

«مدينة الثقافة الأردنية».. مراجعة التجربة لتعزيز الإيجابيات وتلافي السلبيات  

المشنقة  

البيطرة  

قصة نظرة  

عملية صغرى  

سيجارة على الرصيف  

بالشوكة والسكين والقلم  

نهاية التاريخ؟ مقالة فرانسيس فوكوياما  

الدولة العربية الإسلامية / الدولة والدين/ بحث في التاريخ والمفاهيم  

شهامة فارس  

جذورالحَنَق الإسلامي برنارد لويس  

صِدام الجهل : مقالة إدوارد سعيد  

صدام الحضارات؟ صموئيل هنتنغتون 

الفضائيات والشعر  

كأسٌ آخرُ من بيروت 

عمّان في الرواية العربية في الأردن": جهد أكاديمي ثري يثير تساؤلات 

تشكّل الذوات المستلبة  

مشهد القصة بين الريف والمدينة  

وحدة الوجدان والضمير  

«المنجل والمذراة».. استبطان الداخل  

دور المثقف والخطاب العام  

جرش: حديث الجبال والكروم  

في شرفة المعنى 

المثاقفة والمنهج في النقد الأدبي لإبراهيم خليل دعوة للمراجعة وتصحيح المسيرة  

!!صديق صهيوني  

عنترُ ودائرةُ النحس  

فجر المدينة  

مقامة الأعراب في زمن الخراب  

دورة تشرين 

الغرفُ العليا  

الصيف الأصفر  

حب الحياة: جاك لندن 

قصة ساعة كيت تشوبن 

قل نعم، قصة : توبايس وولف 

معزوفة الورد والكستناء  

منظومة القيم في مسلسل "شيخ العرب همام"  

ملامح الرؤية بين الواقعية النقدية والتأمّل  

الرؤية الفكرية في مسلسل «التغريبة الفلسطينية»  

"أساليب الشعريّة المعاصرة" لصلاح فضل - مثاقفة معقولة  

كهرباء في جسد الغابة  

جامعو الدوائر الصفراء  

صَبيَّةٌ من جدارا اسمُها حوران  

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق