السبت، 26 أغسطس 2017

لامية الهمج، شعر وإلقاء: علي طه النوباني





شعر: علي طه النوباني

خَفَّتْ سُليمى إلى الدِّيار في عَجَلِ

وانتابها قَرَفٌ من شِدَّةِ الثَّمَلِ

كَمْ حولَها في فَيافي الأرضِ من أَسَدٍ

زالَتْ مُروءَتُه، يُرعى مع الحَمَلِ

كانتْ تُؤلِّفُ في ليلٍ مَزاعِمَها

أنَّ النُّجومَ غَفَتْ بالقُربِ من زُحَلِ

لكنَّ سَيِّدَها - والكأسُ مُترعَةٌ -

ضَحَّى بِألفٍ من الزُّعرانِ والهَمَلِ

فَغادَرتْ حُزْنَها واسْتَعْمَرَتْ وَطَناً

يَغفو على الهَمِّ والتَّشريدِ والوَجَلِ

حتّى إذا ما بَدَتْ في الروضِ راقِصَةً

والقَدُّ يَلْمَعُ في الآفاقِ كالشُّعَلِ

قالَتْ لمُكْتَئِبٍ قَدْ كانَ يَعْشَقُها

أكرِمْ بِحافِيَةٍ تَعلو عَلى الدُّولِ

إذا رَأيْتَ دُروبَ العُمْرِ مُقفِرَةً

ماذا سَتَفْعَلُ يا مَنْحوسُ بالأَمَلِ

نامَ المُحاربُ قَدْ أعْيَتْهُ حُجَّتُهُ

لمْ يَبْقَ في رَأسِهِ الخاوي سِوى المَلَلِ

قَدْ جاءَ في زَمَنٍ سادَ الهُراءُ بِهِ

وازدانَ كُلُّ صَوابٍ فيهِ بالخَلَلِ

واعْتَلَّ بالوَهْمِ لَمْ يَذْكُرْ مَلامِحَهُ

ما يَفْعَلُ العَقْلُ في بَحْرٍ مِنَ الهَبَلِ

في الصمتِ أُحْجِيَةٌ، في القَولِ أُحْجِيَةٌ

فيما تَردَّدَ بَينَ اليَأْسِ والأملِ

حامَتْ بَيارِقُنا في السَّفْحِ واعْتَكَفَتْ

فالموتُ في عَمَلٍ، كالمَوْتِ في كَسَلِ

هذا النَّهيقُ؛ وذا النَّعيقُ مَنْزِلَةٌ

تَسْعى إليها أُنوفُ الناسِ في كَلَلِ

يَمضي الجميعُ إلى مُسْتَنْقَعٍ أَسِنٍ

فَيَمْزِجونَ أَحَرَّ الطَّعْنِ بالقُبَلِ

لا تَحْمِلِ الدِّرْعَ في يَدٍ مُضَرَّجَةٍ

وانظرْ لِظَهْرِكَ مِنْ حافٍ وَمُنْتَعِلِ

إذا جَمَعْتَ فُصولَ الجَهْلِ في كُتُبٍ

فَالغَدْرُ مُقْتَرِنٌ بالظلمِ لَمْ يَحُلِ

جَحشٌ عَلا فَرَساً فَاشتدَّ ساعِدُهُ

وانْتابَهُ خَبَلٌ في الخَيْلِ والإبِلِ

ما كُنْتُ أحْسَبُ أنْ يَعْلو لِمَرْتَبَةٍ

حتى رَأَيْتُ نَكيرَ الصَوتِ في الأُوَلِ

ماذا سَيَفْعَلُ أَفّاقٌ لِخَيْبَتِنا

غَيْرَ السِّباحَةِ في بَحْرٍ مِنَ القَمَلِ

لا رَدَّهُ اللهُ مِنْ تَرحالِهِ أَبَداً

فالسفحُ مُنْقَلِبٌ في قِمَّةِ الجَبَلِ

ما كانَ أبصَرَنا والشمسُ ساطِعةٌ

فابشِرْ بِحظِّكَ في الظلماءِ والحَوَلِ

والخَيْلُ خانِعَةٌ، لِلذَّبْحِ مُذْعِنَةٌ

والروحُ جائِعَةٌ، والشوكُ في المُقَلِ

مَنْ ذا يُزيِّنُكُمْ؛ يا رَهْطَ فاجِرَةٍ

أَوْدَتْ بِصاحِبِها في أَرْدَأ السُّبُلِ

يا أمَّةً أَعْدَمَتْ أيَّامَها فَشَلاً

واسْتَحْضَرَتْ كُلَّ ما يودي إلى الفَشَلِ

تَرْنو إلى شَرَفٍ، والعِلمُ مَنْقَصَةٌ

في ساحةٍ عُمِرَتْ بالجَهلِ والخَطَلِ

يَغفو عَلى الشوك والأحزانِ مُبْدِعُها

ويَعْتَلي خَيلَها ذو السَّقْطِ والهَزَلِ

هذي الزهورُ إلى بُؤسٍ سَتَحْمِلُنا

إنْ أيْنَعَتْ في حُقولِ الثَّومِ والبَصَلِ

(لَقَدْ تَصَبَّرتُ حَتّى لاتَ مُصْطَبَرٍ

والآنَ أَقْحَمُ حتّى لاتَ مُعْتَمَلِ)

في رَوْضِنا شَجَرٌ لكِنَّ وارِفهُ

نَهْبٌ لِكُلِّ هَوامِ الأرضِ والسِّفَلِ

نَغفو عَلى كَذِبٍ، نَصْحو عَلى كَذِبٍ

نُمَرِّغُ الوَجْهَ في التَّخْريفِ والخَبَلِ

حَتَّامَ نَنْتَظِرُ الأغرابَ تَنْصُرُنا

وَيَنْحَني رَأْسُنا في الحادِثِ الجَلَلِ

ما ظَلَّ مِن أَمْرِنا بَينَ الشُّعوبِ سِوى

بابٍ نُوارِبُهُ للمَوتِ والشَّلَلِ

كادَ المُسافرُ أنْ يَبْني سَفائِنَهُ

لكنَّ عاصِفةً هبَّتْ مَعَ الخَوَلِ

فَارْحَلْ وأُفْقُكَ أَوهامٌ مُخادِعَةٌ

وانْثُرْ بِذارَكَ في الصحراءِ والجَمَلِ

يا ساكِناً خَرَفَ الأَفكارِ عَجرفةً

ماذا تَزيدُ عَنِ الأَقوامِ والمِلَلِ

ماذا صَنعتَ سِوى الأَحقادِ تَقْتُلُنا

ماذا بَنَيْتَ سِوى التَزييفِ والزَّلَلِ

انظرْ لِثَوْبِكَ، هَلْ أَلَّفْتَ رُقعتَهُ

وانظرْ لقَلْبِكَ مَجْبولاً مَعَ العِلَلِ

وانظرْ لقَومِكَ: مَظلومٌ يؤنِّبنا

أو ظالمٌ يَتَحَلّى بالسيفِ والأَسَلِ

قَدْ أَوْجَدَ الناسُ قانوناً ليُنْصِفَهُمْ

إلا دِيارُكَ فالقانونُ للضَلَلِ

كَفى تُصَنِّفُ أَوهاماً تُعدِّدُها

والناسُ تَرْحَلُ للمِرِّيخ مِنْ زُحَلِ

يا مَتْحَفَ الحَشَراتِ، ما تُريدُ بِنا

جَلداً على دُبُرٍ، أمْ صَفْعَةَ القُبُلِ

أتُحْرِقُ الزهرَ غَضّاً في مَرابِعِنا

وَتَرْتَجي عَسَلاً مِنْ قَطْرَةِ الوَشَلِ

سَيَهرُبُ النَّحلُ عن أرضِ النِّفاقِ ضُحىً

وَيَغْرَقُ الجَمْعُ في بَحْرٍ مِنَ الوَحَلِ

وَنَشْتَري بِدُموعِ البُؤسِ نازِلَةً

فَلا نُفَرِّقُ طَعْمَ الزِّفْتِ مِنْ عَسَلِ

يا أمَّةً تَمْلَأ الأكوانَ جَعْجَعَةً

وَلا نَرى وَجْهَها في ساحَةِ العَمَلِ

قَوِيُّها يأكلُ الضعيفَ مُسْتَعِراً

وَيَبْتَغي جَنَّةَ الفِردَوسِ بالدَّجَلِ

تَراهُ يَخْشَعُ في صَلاتِهِ وَجِلاً

وَيَرْتَأي صُحْبَةَ الإبليسِ مَعْ هُبَلِ

في صَمْتِهِ جَشَعٌ، في قَوْلِهِ طَمَعٌ

يَمشي عَلى جُثَثِ الأصْحابِ كالحَجَلِ

قَدْ تاجَرَ الناسُ بالأَمجادِ وارتفعوا

أمّا سُليمى فَمَسْعاها إلى عَطَلِ

رَداءَةُ الرأيِ ساقَتْها إلى سَفَهٍ

فَدَربُها غَبَشٌ في مَوردٍ ضَحِلِ




اقرأ أيضاً على حبيبتنا

أنشودة العرب، شعر: علي طه النوباني  

بنما دولة بعيدة... ومُشوِّقة جدا  

الأزمة الاقتصادية، ومصالح الطبقات  

قراءة في رواية دموع فينيس لعلي طه النوباني  

عَهْدُ فلسطين - عهد التميمي  

كذبة نيسان  

الشوكُ جميلٌ أيضا  

«مدينة الثقافة الأردنية».. مراجعة التجربة لتعزيز الإيجابيات وتلافي السلبيات  

المشنقة  

البيطرة  

قصة نظرة  

عملية صغرى  

سيجارة على الرصيف  

بالشوكة والسكين والقلم  

نهاية التاريخ؟ مقالة فرانسيس فوكوياما  

الدولة العربية الإسلامية / الدولة والدين/ بحث في التاريخ والمفاهيم  

شهامة فارس  

جذورالحَنَق الإسلامي برنارد لويس  

صِدام الجهل : مقالة إدوارد سعيد  

صدام الحضارات؟ صموئيل هنتنغتون 

الفضائيات والشعر  

كأسٌ آخرُ من بيروت 

عمّان في الرواية العربية في الأردن": جهد أكاديمي ثري يثير تساؤلات 

تشكّل الذوات المستلبة  

مشهد القصة بين الريف والمدينة  

وحدة الوجدان والضمير  

«المنجل والمذراة».. استبطان الداخل  

دور المثقف والخطاب العام  

جرش: حديث الجبال والكروم  

في شرفة المعنى 

المثاقفة والمنهج في النقد الأدبي لإبراهيم خليل دعوة للمراجعة وتصحيح المسيرة  

!!صديق صهيوني  

عنترُ ودائرةُ النحس  

فجر المدينة  

مقامة الأعراب في زمن الخراب  

دورة تشرين 

الغرفُ العليا  

الصيف الأصفر  

حب الحياة: جاك لندن 

قصة ساعة كيت تشوبن 

قل نعم، قصة : توبايس وولف 

معزوفة الورد والكستناء  

منظومة القيم في مسلسل "شيخ العرب همام"  

ملامح الرؤية بين الواقعية النقدية والتأمّل  

الرؤية الفكرية في مسلسل «التغريبة الفلسطينية»  

"أساليب الشعريّة المعاصرة" لصلاح فضل - مثاقفة معقولة  

كهرباء في جسد الغابة  

جامعو الدوائر الصفراء  

صَبيَّةٌ من جدارا اسمُها حوران  

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق