السبت، 4 يونيو 2022

الجُزء الثاني من قِصَّةِ الأَعرابيِّ والإِبل

 

بقلم: علي طه النوباني

رأيت مَنشورا على فيسبوك لواحد ممن يُفترض بهم أن يدافعوا عن الناس وهو يتفذلك بحديث ممجوج دفاعًا عن باطلٍ ظاهر، ورأيت "شرشورا" من الشتائم المبطنة في خانة التعليقات، فخطر لي أن أكتب الحلقة الثانية من قصة الأعرابي الممنوع من الشَّتم.

لقد انتبه زهير بن أبي سلمى منذ ما يزيد على ألفِ سَنه إلى أنَّ الوقاية من الشتم لا تكون بتكميم الأفواه، وتغليظ العقوبة، ومنع الناس من الفضفضة، بل تكون بالاستقامة، وفعل الخير، وعمل كل ما يجلب الذكر الطيب، فإذا لم يعلن الناس أن فلاناً حقيرٌ وظالم، أو منافق ونذل، أو فاسد وخسيس، فإنهم يتناقلون الدّلالات نفسها خلسة؛ فتحفظها الأجيال، وتصبح تاريخاً بعد أن كانت مجرَّدَ شتائم.

صدق زهير بن أبي سلمى حين قال:

وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ

                                               يَفِرْهُ، وَمَنْ لَا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ

وهذا يعني أن هنالك من يبذلون قصارى جهدهم لكي يبوؤوا بالشتم؛ كما حدث مع الراعي النميري عندما أوقع نفسه بلسان جرير؛ فأطفأ ذكر قومه، وأخرج نفسه من مجالس الكبار كما جاء في قول جرير:

أَتَلتَمِسُ السّبابَ بَنو نُمَيرٍ               فَقَد وَأَبيهِمُ لاقوا سِبابا

وصاحبنا في هذا مثل الطبيب الذي اختاره الناس لعلاج جراحهم، ففعل مثلما فعل ابن شمعون في قول بلبل الغرام الحاجري:

طِبُّ اِبنُ شَمعونٍ بِلا ريبَةٍ            حكمٌ عَلى هَذا الوَرى يَقضي

ما عادَ يَوماً مَن بِهِ عِلَّةٌ                وَعادَ مَوجوداً عَلى الأَرضِ

       يَمشي وَعَزرائيلُ مِن خَلفِهِ                  مُشَمِّرَ الأَردانِ لِلقَبضِ 

تبا لك من طبيب، وتبا لكل من يشيد بك بعد هذا، أوتحتمل الحال البائسة التي يعيشها الناس فذلكة أمثالك ممن يتفننون في تبرير الظلم، وقوننة الفساد! أم هل يحتاج الطغيان إلى محامين مدلِّسين.

وقد عرفناك خير ممثل لقول بشار بن برد:

إذا جِئتَهُ في حاجةٍ سَدَّ بابَهُ                     فلَمْ تَلْقَهُ إلا وأنْتَ كَمينُ

إذا سَلّمَ المِسكينُ طار فُؤادُهُ                مخافةَ سُؤْلٍ واعْتراهُ جُنُونُ

أو قول ابن الرومي:

مَلَكَ النفاقُ طباعَه فتَثَعْلَبا                 وأبى السماحةَ لؤمُهُ فاستكلبا

فترى غروراً ظاهراً من تحته            نَكدٌ فَقُبِّح شاهداً ومُغيَّبا

ولَشرُّ من جرَّبتَهُ في حاجةٍ             من لا تزال به مُعنَّىً مُتعبَا

من لا يبيعُك ما تريد ولا يرى          لك حُرمةً إن جئته مُستوهِبا

لقد احتوى الشعر العربي على الكثير من الحكمة في باب الهجاء والشتم، وذِكرِ ما رآه الشعراء من قُبح، وعندما يُمنع الأعرابي من الشتم تتحول الطاقة من شكلٍ إلى آخر، وتبقى نظرية زهير بن أبي سلمى قائمة:

وَمَنْ لَا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ

 

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق