بقلم: علي طه النوباني
يُحكى انَّ أعرابيا كان عنده إبل يرعاها، ويسهر
عليها، ويعيش من خيرها. وذات يوم أغار مجموعة من اللصوص على الإبل وساقوها أمامهم؛ فانتبه الأعرابي، وأخذ يركض
وراءهم ويشتمهم؛ ويبدو أنَّه قدَّر أنه لن يتمكن من التغلب عليهم، فتقاعس عن
مواجهتهم، وأخذوا الإبل، فلما عاد، سأله قومه: ماذا فعلت؟ فقال لهم: أشبعتهم شتما
وفازوا بالإبل! وذهب قوله مثلا.
وقد سمعت حوارا حول جدوى الشتم والسباب بعد فقدان
الإبل:
قال أحدهم: الشتم عيب ولا يليق بالرجل الخلوق أن
يشتم.
وقال آخر: الشتم علامة ضعف وعدم قدرة على الفعل.
وقال آخر: الشتم يطال أناسا لا ذنب لهم كأب
الحرامي وأمه وذويه!
وقال متفذلك آخر: إذا كنت صاحب حق؛ فالجأ إلى
القضاء دون أن تنبس ببنت شفة.
ولكن أحدا منهم لم يتطرق لحقيقة أن الشتم والسباب
سلوك بشري وُجد لفاقد الحيلة لكي ينفس عن غيظه وشعوره الطاغي بوقوع مظلومية ميؤوس
منها عليه لا ينفعه فيها القضاء ولا القضاة؛ فإذا لم يتمكن من الشتم انفجر قهرا.
ماذا لو حرمنا الأعرابي من نعمة الشتم؟ وصار
القانون متشددا جدا في عقوبة السباب، ومتراخيا جدا في عقاب قطاع الطرق الذين سرقوا
الإبل! تلك والله مظلمة تتجاوز حدود العقل، وتفوق أشد الجبابرة ظلما، وتزيد الغليان
المعتمل في النفوس، وتضع المجتمع على حافة الجحيم.
وماذا بعد!
لقد ذهبت ساكسونيا* إلى أبعد من ذلك عندما قدَّمت
الحماية لقطاع الطرق، وشنقت الأعرابي بجريمة الشتم! تبا لك أيها الأعرابي الخليع،
كيف ستعيش دون إبلك؟ وما الذي سيخفف عنك مرارة الظلم إذا لم تتمكن من إغراقهم
بالشتم والسباب؟!
·
كان قانون ساكسونيا يُفرِّق بين الناس في العقوبة
وفق طبقتهم الاجتماعية. فكان يجري تنفيذ عقوبة الإعدام للقاتل إذا كان من عامة
الشعب، وذلك بأن يُقطع رأسه بحيث يُفصل عن جسده. أما إذا كان القاتل من طبقة
النبلاء والأغنياء فكان يجري تنفيذ عقوبة الإعدام بطريقة «غريبة»، إذ كان يؤتى
بالقاتل ليقف في الشمس وكانوا يُقطعون رقبةَ ظله!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق