الجمعة، 22 مايو 2020

نظرية المؤامرة... متى تستحق التأمل؟

بقلم: علي طه النوباني
المؤامرة في معجم المعاني الجامع هي: " مكيدة للقيام بعملٍ معادٍ إزاء حكم أو بلدٍ أو شخصٍ ما يدبِّرها أشخاص خِفية ويصمِّمون على تنفيذها ضدّ شخصٍ أو مؤسّسةٍ أو أمن دولة".
والمؤامرة حسب التعريف السابق تتصف بالسريَّة والتوافق بين المتآمرين؛ فإذا ما تحدّثَ أحدٌ عن حدوث مؤامرة دون أدلة قوية استخف الآخرون بعقله واستدلوا على موقفهم بأن نظرية المؤامرة هي أسهل الخيارات لتفسير الظواهر؛ وإذا ما توفر الدليل الدامغ وانكشفت الأسرار؛ زال سبب الاستخفاف بالمتحدثين عنها على الأقل بالنسبة للمتضررين منها، بل إنه أصبح واجبا التفكير مليا في كيفية التصدي لها ومعالجة أمرها قبل وقوع الفأس في الرأس.
وفي هذه الأيام يشهد العالم اعتداءات صارخة على حرية التعبير باسم مواجهة نظريات المؤامرة، ونلاحظ أنَّ يوتيوب وجوجل وغيرهما يقومون بإغلاق قنوات ومواقع إلكترونية لأشخاص يحملون رأيا مخالفا أمثال: ديفيد آيك، هاري فوكس، وفيرنون كولمان وغيرهم بحجة أنَّ آراءهم تنشر الأكاذيب ونظريات المؤامرة، وتهدد الجهود العالمية لمكافحة فيروس كورونا. ولكنَّ الواقع مختلف تماما، فالمتابع لأقوال هؤلاء يجد فيها الكثير من الوجاهة والقوة؛ فهم يقدمون في كثير من الحالات أدلة دامغة لا يملك الطرف الآخر الردَّ عليها؛ فيلجأ لحجب الرأي الآخر دلالة على ضعف حجته، وليس على حرصه على صحة الناس الذين قام باستغلالهم وتضليلهم في كثير من الأحوال والظروف.
في لقاء تلفزيوني تم إجراؤه مع الصحفي الأمريكي هاري فوكس سنة 2014 يَكشف الستار عن وثيقة صادرة عن مؤسسة روكفلر سنة 2010 تحت عنوان: "السيناريوهات المستقبلية للتكنولوجيا والتنمية الدولية"؛ حيث تصف الوثيقة ما يحدث في عالمنا اليوم في أزمة كورونا بدقة متناهية: الوباء، الإغلاق، حظر التجول، الحجر المنزلي، التباعد الاجتماعي، الإجراءات الأمنية الصارمة، الكمامات والقفازات، تفوُّق الصين في مواجهة الوباء، قيام الحكام المحليين في دول العالم بإعلان أحكام الطوارئ والأحكام العرفية والتضييق على حريات الناس، الخ...
وتتحدث الوثيقة المنشورة عام 2010 عن تفوق الصين في محاصرة الوباء؛ لأنها دولة دكتاتورية تملك صلاحيات مطلقة، وتصل الوثيقة إلى نتيجة أنَّ الديمقراطية وحقوق الإنسان تعيق مكافحة الأوبئة وبالتالي تعيق التنمية، وهكذا يكشفون عن رغبة دفينة في التخلص من البقية الباقية من الديمقراطية الهشة القائمة حتى الآن، ويكشفون عن رغبتهم الشديدة في الوصول إلى الدكتاتورية الرأسمالية المتوحشة الخالصة التي لا يضبطها مواثيق ولا عهود، وحيث أن القلة الذين يتحدثون بهذه اللغة - ومنهم روكفلر- يمتلكون أكثر من نصف ثروة العالم؛ فهم يخططون إذن لأن يحكموا العالم ويحوِّلوا الناس إلى دواجن في مزرعتهم يقدمونها للذبح متى شاءوا بعد أن يقوموا بإفلاس الكثير من الاستثمارات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة.
الوثيقة منشورة على الإنترنت ويمكن لأي شخص تحميلها، وهي بصيغة بي دي إف وعليها شعار مؤسسة روكفلر، وحسب علمي فإن المؤسسة لم تقم بإنكار الوثيقة رغم كل اللغط الذي دار حولها، فلماذا يتطوع ملايين الناس من المتضررين لإنكارها إذا كان ناشرها لا ينكرها.
ولنفترض جدلا أن الوثيقة غير صحيحة، ألا يثير هذا الكثير من الأسئلة: لقد عرضها هاري فوكس سنة 2014 في مقابلة تلفزيونية، وهذا دليل قاطع على أنها مكتوبة قبل سنة 2014. كيف عرف كاتب تلك الوثيقة بأن الصين ستكون أول المنتصرين على الوباء، وكيف عرف كل ما ورد فيها عما نعيشه اليوم من وضع كارثي في ظل جائحة كورونا، والأدهى من ذلك: ألا تكشف هذه الوثيقة عن أحلام النخب الحاكمة في عالمنا، ألا تكشف عما يمكن أن يحدث لأولادنا الذين جئنا بهم إلى هذه الدنيا ليعيشوا؛ لا ليصبحوا دواجن وفئران تجارب في مزارع روكفلر وبيل جيتس وأمثالهم من أصدقاء الصهيونية التي عاثت خرابا في ديارنا، وعطلت كل مشاريع التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان في منطقتنا.
وبعد ذلك يتحدث هاري فوكس أيضا عن مذكرة الأمن القومي رقم 200 المنشورة يوم 10 ديسمبر سنة 1974 والتي كتبها هنري كيسنجر داعيا فيها إلى تقليل سكان العالم. ألا يأتي هذا الحديث متوافقا تماما مع ما تقوله مؤسسة روكفلر سنة 2010 والذي يأتي ترجمة عملية وخطة تفصيلية لتحقيق رؤى الكاهن الأعظم.
لو رجعنا إلى الوراء مائة سنة، وتحدث شخص في جلسة ما لمجموعة من الناس أنَّ الصهيونية العالمية تخطط لاحتلال فلسطين والسيطرة على الوطن العربي لقفز له واحد من هؤلاء المتفلسفين ساخرا وضاحكًا، وقال: أنت من أتباع نظرية المؤامرة، ولرد عليه الأول قائلا: لقد خططتْ الحركة الصهيونية لإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين في مؤتمر بال، وسيردُّ عليه الثاني بلغة المماحكات والتذاكي وينكر باستخفاف كل ما يقدمه من أدلة بدلا من التأمل فيها والاحتياط لها. واليوم بعد مائة سنة، مِنْ أين سنأتي بذلك التافه الذي ادَّعى الذكاء لكي نشبعهُ ركلا ونُفهمه أنَّ كل ما حدث لنا من المحيط إلى الخليج كان مؤامرة شارك فيها أمثاله بالتذاكي الجاهل، والسخرية اللامسؤولة، والتفاهة المفرطة، وعدم القدرة على التمييز بين المؤامرة التي لها ما يدل عليها، والمؤامرة التي تدعو إلى السخرية والاستهزاء.
بعد كل ما لقينا من خيبة أمل وبؤس وفشل وخسارات فادحة، ما زال البعض منا يلتمس فرصة لادعاء بُعدِ النظر والتعقل والذكاء على حساب المنطق والتفكير السليم، يَقذف في وجوهِنا عبارات جاهزة لا يعرف معناها متجاهلا السفينة التي تكاد تغرق، ومستقبل الأجيال الذي أصبح في مهب الكارثة، وواجبنا الأصيل في حساب الأشياء من كل الجهات لكي نصل إلى أفضل فهم لواقعنا بعيدا عن الاستعراض والنرجسية والنفاق لجهة هنا أو جهة هناك؛ فنحن لا نتحدث عن احتمالية سرقة بيت أو عمارة؛ بل نتحدث عن المنجزات الإنسانية التي تحققت عبر نضالات طويلة والمهددة الآن بالزوال الكامل. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق