بقلم: علي طه النوباني
استطاعت فرق الإنقاذ والمتطوعون إخراج عدد لا بأس به من
الأحياء من تحت الأنقاض في تركيا وسوريا، وبالمقابل مات الكثيرون، بعضهم مات موتا
سريعا أراحهم من عالم زاخر بالقسوة والوحشية والأنانية المفرطة، والبعض الآخر مات
موتا بطيئا تحت حِمل الأنقاض والجوع والعطش والأسى على مرارة فقد الأحبة والانهيار
المفاجئ لكل شيء.
وفي قلب هذه المأساة سَوَّقت الفضائيات ووسائل التواصل
الاجتماعي لنوع جديد من العلماء والمتنبئين الذين أعلنوا مسبقا عن الزلزال، بل
إنهم حدَّدوا مكانه وزمانه.
أَمّا المتنبئون، فقد عرفتُ مِنهم اللبناني ميشيل حايك،
والمصرية اللبنانية ليلى عبد اللطيف، حيث ذكرا نبوءتهما ليلة رأس السنة الماضية على الفضائيات العربية بحدوث
زلزال في تركيا في العام 2023 دون أن يحددا يوما أو شهرا محددا. وأما من أسموهم
علماء فواحد من هولندا والآخر من أستراليا وقد نشرا نبوءتهما على تويتر قبل
الزلزال بأيام.
وإذا كنا نعرف جميعا أنَّ العلم قد أكَّد لنا في غير مرَّة
أنه لا يمكن التنبؤ بالزلازل، وأنَّ القدرات الخارقة للإنسان ما زالت قيدَ الدَّرس،
ولم يتمَّ إثباتها علميا بأيِّ شكل من الأشكال؛ فمن أين عرف هؤلاء عن هذه الكارثة
قبلها بأكثر من شهرين؟
لقد ادعى الهولندي والأسترالي أنهما تنبآ بالزلزال من
خلال مراقبة حركة الكواكب والنجوم؛ بل إن الأسترالي يقول إن أبرز أسباب الزلزال أنَّ
القمر كانَ بدرا ليلة الزلزال!
ولكنَّ القمر كان بدرا في الكرة الأرضية كلها، وليس في
تركيا وسوريا وحدهما!
والقمر يصبح بدرا اثنا عشر مرة في العام!
ويضاف إلى ذلك أنَّ القمر موجود حول الأرض سواء أكان
مضيئا أم مظلما!
أيُّ علماء جُدُد يتمُّ التسويق لهم؟ وعلى أي شعوب
ستنطلي هذه الخزعبلات!
أيهما أولى: أن نصدق قدرات هؤلاء المنجمين الخارقة، أم
أن نستعمل عقلنا للبحث ومحاولة إيجاد السيناريوهات الممكنة لتفسير الأمر؟
إذا أردنا أن نفهم عقل الرأسمالية، فعلينا أن نفكر
بطريقتهم:
إنهم يصنعون المرض ثم يبيعون الدواء واللقاح!
ويصنعون الحرب ثم يبيعون الأسلحة!
وربما هم الآن
يصنعون الزلازل ثم يبيعون تقنيات الأبنية المقاومة للزلازل. ويحققون أرباحا إضافية
بصناعة نجوم يصدقهم الناس، ويوجهون الرأي العام. كما يصنعون إنساناً خائفاً
ومستسلماً ومهزوماً يستجيب بسهولة لخططهم الدنيئة، ويقوم بتوجيهه عميل لواحد من
أجهزة المخابرات التابعة لواحدة من الدول الكبرى.
أيُّ دولة في العالم وصلت إلى تقنية التنبؤ بالزلازل أو
حتى صناعتها، وأخفت عن العالم هذا الإنجاز، وأي جهاز استخبارات قام بتسريب الأمر
إلى هؤلاء؟
إذن، هي مرَّة أخرى نظرية المؤامرة، ولكن، إذا رفضنا
نظرية المؤامرة، فعلينا أن نقبل بأن أشخاصا مثل هؤلاء المتنبئين لديهم قدرات خارقة
تتجاوز مئات المرات قدرات العلم ومراكز الأبحاث والتكنولوجيا!
وما الذي يمنع تصديق نظرية المؤامرة سوى الاعتبارات
الأخلاقية، وهي ما لا يُحكى عنه قطعيا عند الحديث عن ماكينة الربح والخسارة
والرأسمالية؛ وبخاصة إذا ما راجعنا قائمة الجرائم التي ارتكبتها، وما زالت ترتكبها
حتى اليوم عن سبق الإصرار والترصد. إنها آلة تصنع وحوشا بشرية بلا ضمير لا يردعها
وازع أخلاقي ولا قيمة إنسانية مهما بلغت أهميتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق