بقلم:
علي طه النوباني
يتسلق (علي) من سطح البناية على أنابيب المياه والمجاري
في وضح النهار ليدخل غرفة لانا (ابنة الكوافيرة أسيل)، وعلى الرغم من
خطورة ما يفعلانه في حيٍّ شعبي محافظ؛ فإنهما لا يقومان بإغلاق الستارة، والتي لا
تحتاج إلى شيء سوى حركة بسيطة من يد أحدهما. ولكيلا يقول أحد: لا يوجد ستارة على
الشباك؛ فإنه يمكن مراجعة المشهد الذي تؤنب فيه (أسيل) ابنتها لدى تلقيها فيديو
الابتزاز ليرى الستارة بوضوح.
وبمناسبة الحديث عن إغلاق الستارة؛ ينبغي أن نتذكر أنه بعد
أن ضرب عباسُ علياً؛ وأكد عليه ألا يقترب من (لانا)، يذهب (عليّ) إلى سطح العمارة
التي تسكن فيها (لانا) ليعطيها جهاز هاتف نقال ويقنعها بالهرب، وفي تلك اللحظة يرى
(عباس) من شباك شقته وهو يضع النقود في القاصة الحديدية، فتلمع في ذهن (علي) فكرة
سرقة (عباس). وعباس أيضا هنا يقدم تسهيلات مجانية للمخرج بأن لا يغلق الستارة رغم
أنه يخبئ أغلى شيء لديه وهو المال!
يتمكن (صبري) من تصوير (توتو- زوج أسيل ووالد لانا) وهو
ينقل جثة (علي) على الرغم من أن مسرح الجريمة (بيت الدرج) ذو إضاءة خافتة، فضلا عن
أن جدرانه بنيت من القرميد ذي الفتحات الصغيرة التي لا تسمح بالتصوير إلا إذا
افترضنا أن صبري ملتصق على الجدار من الخارج ويمد الزوم في واحدة من الفتحات الضيقة!
وهكذا فإن (صبري) لم يفته
حدث مفصلي في حياة أسرة (أسيل) و (توتو) في الليل أو النهار إلا وقام بتصويره،
وكأنه يقضي أربعا وعشرين ساعة مقابل شقة أسيل!
ولماذا شقة (أسيل)
بالذات؟ والتي هي كوافيرة عادية جدا كما يبدو من صالونها ومن مكان شقتها وأثاث
شقتها. بل إن (صبري) لا يفوته أن يصور مشهد تعرّي (لانا) الذي افتعلته أسيل
لاستدراجه، وكأن أسيل تمتلك قدرة بارا سيكولوجية خارقة لدعوته في الوقت الذي
تريده.
كيف يمكن ل (صبري) أن يصادف أربعة مشاهد هي الأبرز في
حياة لانا وأسرتها؟ وكأن لديه جاسوسا في بيت أسيل! وهل يمكن لعمل درامي جاد أن
يقبل هذا العدد الكبير من الصدف؟
لا نحتاج إلى خبرة كبيرة بالأسلحة النارية لنعرف أن حامل
المسدس يكون في أقوى حالاته عند الوقوف على مسافة أمتار من الشخص الذي يريد
السيطرة عليه، لكن (علي) يضع المسدس على أنف (عباس)؛ فيذعن له عباس على الرغم أن حركة
صغيرة وسريعة من قدم عباس أو يده ستجعل (علي) يطلق في الهواء غالبا، وهو تصرف
يناسب شخصية (عباس) أكثر من حالة الإذعان التي رأيناه عليها والتي أوصلته إلى أن
مزق (علي) لسانه.
يضرب عليٌّ عباساً بكعب المسدس على رأسه؛ فيسقط مغشيا
عليه، فيشد وثاقه، ثم يجبره على البوح بالرقم السري للقاصة الحديدية، ويأخذ النقود
ويهرب، وعندما تأتي (هنادي) إلى عباس؛ تفك وثاقه بحركة سريعة، وكأنه مربوط بخيط
عنكبوت، لقد قرر المخرج أن يحول (عباس) من وحش كاسر إلى نملة هكذا دون أي مبرر أو
مقدمات كافية.
وعندما وصل التهديد الأول ل (أسيل) حول مشهد (لانا) مع
(علي)، يتغافل الفيلم عن مسألة جوهرية في الثقافة الشعبية، وهي أن تتساءل (أسيل)
كأم إلى أي مدى وصلت علاقتها مع (علي)، ثم تقرر أن توافق على خطبتها من شخص آخر
دون أي إضاءة على هذا الجانب. هل يقصد المخرج-المؤلف بذلك أن (أسيل) قد لجأت إلى
طبيب ليعالج أمر ابنتها؟ أم يقصد أن الأمر لم يصل إلى تلك الدرجة؟ أم يقصد أن أسيل
لم تفكر في هذا على الإطلاق خلافا لأي أم تقليدية!
ثم تهرب (لانا) مع (علي)، ويدخلان إلى الشقة المفروشة،
ويظهران وهما ينامان على سرير واحد في وضع رومنسي حيث يداعب كل منهما الآخر،
وتنتقل الكاميرا نحو اللوحة التي فوق السرير في إيحاء واضح بأن العلاقة قد اكتملت
كما اعتدنا في السينما العربية. ويحدث هذا دون أن يحدث أي شيء يوحي بأن زواجا قد
حدث.
في اليوم التالي يصحو (علي) فيجد (لانا) تجمع أمتعتها،
فيسألها لماذا؟ فتشير إلى المسدس والنقود.
فيجيبها: المال: تحويشة العمر، والمسدس للحماية.
وهي إجابة كافية، فمن الممكن لشخص رسب في الثانوية أن
يعمل في شركة كبيرة ويجمع الكثير من المال، ومن المناسب لشخص يخطف فتاة هاربة من
أهلها أن يحمل مسدسا.
تصر (لانا) على (علي) أن يقول لها (ماذا يخبئ عنها أيضا؟)
بحجة أنه خبأ عنها أنه راسب في التوجيهي، فيعترف (علي) بكل سذاجة بأنه سرق المبلغ
من شخص حيوان حسب وصفه. فلا مُبرِّرً الشكِّ كافٍ، ولا استجابة (علي) بهذه البساطة
مقبولة، وإنما هي إرادة المخرج مرة أخرى لا إرادة السياق العام لطبيعة الشخوص
والمسار الدرامي.
وعلى الرغم من أن (لانا) هاربة من أهلها، وقد نامت ليلة كاملة
في حضن رجل غريب، فإن المخرج يشاء لها دون مبرر كافٍ أن تتخلى عن (علي) وتخرج
بعناد شديد رغم توسلات (علي)، بل يتبين أنها قد طلبت سيارة أجرة قبل الحوار الذي
دار بينهما (وربما طلب المخرج لها السيارة)، فتقفز فيها عائدة إلى أمها!
الأنكى من ذلك أن يتبعها (علي) على الفور حاملا حقيبة
وضع فيها مبلغا من المال ليدلّي الحقيبة أمام شباك (لانا) قبل أن تصل (لانا) إلى
غرفتها، مع علمنا بأن سبب عودة (لانا) وغضبها من (علي) هو النقود ذاتها! أيُّ
توليفة هذه؟ عروس تهرب في (صباحيتها) لأنها اكتشفت أن عريسها راسب في الثانوية
ولديه مسدس ومبلغ كبير من المال؟ فيتبعها زوجها ويدلي لها المال الذي تركته بسببه
من شباك غرفتها!
مشهدان عبثيان متتاليان، يتبعهما قتل والدة لانا ل (علي)
في بيت الدرج والتقاط (صبري) مشهد الفيديو من العمارة المقابلة ومن ثقوب القرميد!
لا تلبث بعد ذلك أن تظهر (لانا) في صالون والدتها وهي
تضحك بملء شدقيها على نكتة سمجة قالتها زبونة، وكأن ما حدث معها كان شيئا بسيطا لا
يستدعي يومين أو ثلاثة من الذهول في مجتمع لا يرحم.
عندما يعلم الحلاق (بهاء) صديق (علي) بمقتل (علي) يتتبع
الشقة التي أقام فيها (علي) قبل مقتله، ويذهب إلى الفندق، فيطلب مفتاح الشقة بحجة
أنه من طرف فلان، فيعطونه المفتاح، وهكذا بكل بساطة يدخل الشقة، ويأخذ أغراض (علي)
بما فيها النقود والمسدس؟ لقد قبلنا من المخرج – المؤلف أن يتجاهل وجود الشرطة لكي
يركز على قيم الحارة، ولكن ليس إلى هذه الدرجة، فقد تجاوز الواقع بشكل كوميدي، وبخاصة
أنه أعلن في كل المواقع أنَّ أحداث الفيلم تدور في أحد الأحياء الشعبية في عمان.
لقد بدت التمثيليات التي نفذها (بهاء) سخيفة وكوميدية
وبخاصة أنه نفذها بالمال الذي أخذه من غرفة (علي) بطريقة غرائبية، ولكن مشهد
(بهاء) مع جد (علي) برَّر ذلك على نحو لا بأس به، فالهدف هو المحافظة على سمعة
الأسرة، وتمكينها من العيش بشكل طبيعي في مجتمع يراقب كل فيه الآخر، ويسجل عليه كل
شيء، وهي فكرة متصلة بالخيط الذي ينتظم القصة وهي الحارة.
لقد كان أداء الممثلين متميزا، كما أنَّ عين الكاميرا
استطاعت أن ترصد مشاهد تمثل حارة شعبية في مدينة كبيرة بشكل جميل ومؤثر، غير أنَّ
المخرج - المؤلف ما زال يظن أنَّ من حقه أن يتلاعب بالشخوص والأحداث كما يريد،
متغافلا عن الافتراضات التي وضعها هو أصلا والتي لا يجوز تجاوزها إلا بمبرر يقبله
المشاهد الجادُّ الذي لا يبحث عن التسلية وحسب، وإنما يبحث أيضا عن الترابط
الدرامي والنمو المعقول للأحداث والشخصيات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق