الأربعاء، 21 سبتمبر 2022

كتابُ شكرٍ للتخلّفِ والفسادِ والمَحسوبيَّة

 

بقلم: علي طه النوباني

كل من حققوا المكتسبات من تخطي الرقاب، واستغلال كل ثغرات الفساد، والتفنن في خيانة الأمانة متأرجحين بين الأمر ونقيضه، يظهرون في لحظة ما كما الأنبياء والقديسين داعين إلى الحداثة وسيادة القانون والعدالة دون أي شعور بالخجل من ماضيهم، ودونما لحظة صمت أو فترة انتقالية للتأمل والمراجعة.

هكذا - وبهذه البساطة - يستطيع كل واحد أن يضع نقطة، ويبدأ سطراً جديداً بانياً على ماضيه القذر حاضرا مشرقا ومستقبلا مجيدا دون أن يجرؤ أحد على تذكيره بالطريق الذي سلكه قبل أن يصل إلى ما وصل إليه!

ونستطيع بالمقابل أن نقول له: لقد ارتقيت مرتقىً صعباً يا رويعي الغنم!

" شوفوا مين بحكي!"

كان الأحرى بك أن تعلن شكراً واضحاً للتخلف والفساد والمحسوبية؛ ففضلها عليك كفضل المطر على سائر المخلوقات. لقد نقلتك من أسفل الهرم إلى أعلاه، وها أنت تتغنى بأعدائها دون أي مقدمات منطقية!

ما الذي يضمن أنك لن تنقلب من جديد عائدا إلى أصلك اللبلابي المتسلق!

 يا ناكر الجميل!

أتأكل خبز الفساد، ثم تتغنى بالنزاهة والعدالة!

أتبني قصرك وتخيط ثوبك في ردهات الظلام، ثم تتغنى بالأنوار!

عد إلى كهفك المحفوف بالشياطين، ودعك من حديث الملائكة، أو فاشرح لنا قصتك وإرهاصات تغيرك المفاجئ، وصف لنا شياطينك واحدا واحدا، هل طردوك من عالمهم، أم تخليت أنت عنهم بمحض إرادتك؟

هل أعدت لزيد ما سرقت منه؟ وهل سامحك عمرو على ما بدر منك؟

كيف أكلت حق هذا، وظلمت ذاك؟

اخلع ثوب الوقار المزيف الأشبه بقطعة ذهب روسي ملقاة في مزبلة متعفنة.

لقد كان الأحرى بك أن تتخلى عن البراويز الكاذبة التي أحطت نفسك بها بالتدليس والانتهازية والتسلق قبل أن تتحدث عن النزاهة والاستقامة.

أجزم أن الحداثة تخجل من نفسها، ويصيبها المغص والتبول اللاإرادي عندما تعرف أن أمثالك من دعاتها؟

حقك أن تنقلب رأسا على عقب، وحقنا أن نستبين، فارقص على هذه الخشبة التي أدمنت وقوف الأفاقين والكذابين! وإنما ابتلينا بكم، وعزاؤنا أن الرحلة قصيرة جدا، والباب مفتوح على الألغاز والأحجيات، فلعلَّ كوكباً من الغيب يضيء على أرض السبات.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق