الثلاثاء، 29 سبتمبر 2020

في رثاء أستاذي الدكتور عبد العزيز طشطوش

 

بقلم: علي طه النوباني

تلقيت بحزن نبأ وفاة الأستاذ الدكتور عبد العزيز طشطوش، والذي عرفته في جامعة اليرموك في فترة دراستي فيها في تسعينيات القرن الماضي، وتعلمت على يديه في أكثر من مساق.

عرفته شخصًا هادئًا جدًا ذا صوت منخفض؛ لكنَّ ذلك لم يمنع من أن يسمعه جميع الطلاب؛ لأن ملامح وجهه كانت توحي بالاهتمام وتنقلُ المعرفة مع لسانه، ولأن لسان حاله كان يؤكِّد دائمًا أن لا أحد يمتلك الحقيقة، وإنَّما دوره كأستاذ هو أن يكون محرِّضًا ودافعًا للبحث والاستنتاج. كان يستمع لتعليقات الطلاب بكل هدوء، ثم يناقشها ويقلبها على كافة وجوهها. ولم أشعر يومًا أثناء محاضرته بأنه يتعالى على الطلاب أو يستعرض أو يتخذ موقفًا شخصيًا من أحدهم كما كان يفعل بعض زملائه.

لكلِّ ما سبق؛ فقد رسخت في ذهني كلُّ كلمة سمعتها من الدكتور عبد العزيز، وعاودت قراءة ديوان عبيد ابن الأبرص بالرؤية ذاتها التي قدمها لنا في مساقٍ كامل اعتمد فيه نسخة المستشرق ليال، فاستنجتُ، وبنيتُ فوقَ ما تعلمت، وطوّرتُ أفكاري بذات طريقته الهادئة التي نقلها لنا دون زعيق أو صراخ.

نعم، دون زعيق أو صراخ، وأقصد بهذا أستاذًا آخر ما زال حيًا – أطال الله في عمره – لم تمنعه مكانته العلمية من السعيِ لإيذائي نفسيّا أمام الطلاب في أكثر من موقف، ليس أبرزها أن فَرَضَ على طلاب المساق جميعًا أن يدرسوا قصةً عنوانُها " الصبيّ الأعرج"، ثم نظر نحوي قائلًا: "عفوًا أخ علي، فأنت غير مقصود بهذا الاختيار" مُعرِّضًا بذلك بِكوني مُعاقًا حركيًا، وهو بذلك لم يعرف رباطةَ جأشي وقدرتي على مواجهة مثل هذا السلوك المرضي.

وللأمانة، فأنا وبعد أكثر من خمسة وعشرين عامًا لم أعرف حتى اليوم سببًا لهذا السلوك العجيب من أستاذ جامعي له مكانته في تخصصه العلمي، وإن لم يحافظ على هذه المكانة عندي رغم ما أَعترفُ بأنَّني تعلمته منه في أجواء محاضراته العُصابيّة المشحونة بنرجسيته الظاهرة.

واليوم، وقد آل التعليم إلى ما آل إليه من وهن وضعف، وأصبح ياتيكم في أعلى الرتب العلمية من لا يفكُّ الخط ولا يعرف سعدًا من سعيد؛ فإنني أجد من واجبي أن أحيِّي روح أستاذي الكريم المرحوم الدكتور عبد العزيز طشطوش، وأَذكرَهُ بما هو أهلٌ له من الثناء، وأتوجَّهُ إلى أمثالِ أستاذي الآخر مُقدِّمِ قصةِ "الصبيّ الأعرج" برسالة مُفادُها أنْ على رِسْلكم؛ فأمثالكم - وإن قدََّموا علمًا - فإنما يقدِّمون أيضًا نموذجًا فجًّا يمحو كلَّ ذكرٍ حسن، ويفرغُ التعليم من معناهُ النبيل، وقيمته الحضاريَّة.  

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق