شعر: علي طه النوباني
خَـلَـعوا بابَ السِّـجْـنِ
وكانَ صَـديـقُ الـناطـور يُـدَنْـدِنْ
مَنْ جاءَ بِـهذا الـهَـلـفوتِ لِـيَـنْـقُـش أَسـماءَ الـقَـومِ عَـلى أَيـديـهِمْ
مَنْ صَـوَّرَنـي وَأَنا أَتَـلَـعـثَـمُ مِـثْـل حَـريـقٍ في عُـشْبٍ أَخْـضَـرْ
يَـتَـقاطَـرُ مِنْ صَـوتـي لَـغَـطُ الكـلـماتِ
وَأَلــتَــفُّ عَـلى الـقُضْـبانِ
لِأُصْـبِـحَ حُـرّا أَكـثَـرْ
***
قالَ الـناطورُ:
سَـمِعـتُ الـبَـيـك يَـقولُ
-وَكانَ مُـحاطًا بالعسكـرْـ
"الـنّارُ سَـتأكُل حتى الـغَـيـمَ
وَحَـتّـى الـعِـفْـريـتَ الأحمرْ "
ذاتَ خَـريـفٍ جاءَ الـبَـيْـكُ، وقالَ:
" نَـقَـلـنا السِّـجـنَ مِنَ الـصحراءِ
إِلى الأَرواحِ
نَـصـبـنا فَـخًّا للأُغْـنِـيَـةِ الأُولى
ها قَـدْ بَـدَأَتْ تَـتَبَـخَّـرْ "
***
قالَ صَـديقُ النـاطـورِ:
" أَنا أَعـرِفُ أَنَّ صَـديـقـي كَـذّابٌ
لكِـنّـي مُـنْـشَغِـلٌ عَن صَـوتـي بِـأَزيـز الأَبوابِ
وَخَـلـفـي رَجُـلٌ يَـتَـوَضَّـأُ بالـماءِ
فَـيُـصبحُ أَحـمرْ
وَأَضيعُ كَـثيرًا حين أُفـكِّـرُ
أَيْـنَ دَمـي
فَـنُـصَلّـي قُرْبَ (الـدَّحْـنـونَـةِ)[i]
لا نَـعْـرِفُ
إنْ كانَ الـدَّرْبُ تَـقَـدَّمَ
أَم أَنَّ الـعُـمْرَ تَـأَخَّـرْ "
***
في الـمَـعْـبَـدِ يَـجْـتَـمِـعُ الكُهّانُ
يَـظُـنُّ العارِفُ أَنَّ الـضوءَ سَـيَـكـفي لِـقِراءَةِ هـذا الـسِّـفْـرِ
فَـيَـقْطُـرُ مِـنْ أَنـفـي حِـبْـرٌ
يَـتَـشَكَّلُ أَصْفادًا
تَـنْـطَـفِـئُ النّـاُر
فَـأَعْـرِفُـني مِن وَجَعي الأَكبرْ
***
لا أَعْـرِفُ كَـيْـفَ يَـنامُ الـرَّاعـي
وَثُـغاءُ الأَغنامِ
يَـصُـمُّ الآذانَ
وَراحِلَـةُ الـساعـي
تَـتَـعَـثَّـرْ
مَنْ يَـعْـرِفُ في جبل الثـلجِ طَريقًا آخـرَ؟
مَنْ يَـطْـرُدُ هذي الـغِـربانَ عَن الـبَـيـدَرْ؟
***
خَـلَـعوا بابَ الـسـجـنِ
وَكانَ سَـيُـشْـرِقُ مِنْ نافِـذَتي وَجْـهُ حَـبيبةْ
نَـهَـضَـتْ تَـجْـري الـجُـدْرانُ
ونافِـذَتي جَـلَـسَتْ خاوِيَـةً
تَـجْـمَـعُ سُـحُبَ الـرّيـبَـةْ
كَـيْـفَ تُـسافِـرُ هذي الأَشـــياءُ
وَتَـبقى أَهدابُ الـحُلـمِ غَـريـبَـةْ
***
أَنَـذا في سِـجنِ الكلماتِ
وَسـجنِ الـغُربـةِ
والسـجْـنُ طـليـقْ
وَأُرَدِّدُ ما شــئتُ من الأَفكارِ
عَلى هذا الـمَذبـحِ
كَـي نَـتَـوَحَّـدَ في الـفَـيْـضِ الأَزَلـيِّ
وَلكنَّ الأُفْـقَ يَـضـيـقْ
ما نَفْعُ الـنَّجْمَةِ في الأُفْـقِ تُـضـيءُ
وَهذا الـقَلبُ غَـريقْ
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق