الجمعة، 22 مايو 2020

يا سكان العالم ... انتبهوا

بقلم: علي طه النوباني
في هذه الأيام الصعبة، ونحن نرى العالم ينهار أمام عيوننا، ما زال يحافظ أغلبية اليمين وأغلبية اليسار على مواقعهم المتشددة والمنحازة غير عابئين بأوجاع ملايين البشر الذين سقطوا ويسقطون يوميا في هاوية الفقر والجوع والمرض، وغير راغبين في ظهور ما يعتور مناهجهم من أخطاء فادحة قد تضر بمئات الملايين من الناس نتيجة جنون رأسماليٍّ جشع هنا أو دكتاتورية تدعي الاشتراكية والنظرة الثاقبة هناك.
تتوارد الأخبار عن عدد من الأطباء الصينيين الذين حذروا من كورونا مبكرًا، ولكنَّ الضوابط الصارمة التي تفرضها الصين على المعلومات، والعقبات البيروقراطية، والرعب الذي يتفجر لدى صغار البيروقراطيين عند رفع معلومة إلى السلسلة الطويلة من المسؤولين حتى تصل إلى صاحب القرار لم يؤدِّ إلى تأخير الاستجابة فقط؛ بل عرَّض بعض الأطباء الصينيين لعقوبة ترويج الشائعات ونشر الخوف، ونتج عن ذلك أن تأخرت الاستجابة ستة أيام زامنت احتفالات السنة القمرية، وتنقل فيها الكثير من الناس حتى أنَّ مأدبة جماعيّة أقيمت لآلاف البشر في ووهان.
بعد ذلك قامت الكثير من الدول بترحيل رعاياها من ووهان أمام عيون منظمة الصحة العالمية، بل إن WHO (كما نشرت على موقعها الرسمي يوم  10/1/2020 ) لم تنصح في تلك المرحلة باعتبار ووهان منطقة مغلقة ومنع السفر منها وإليها كما هو منشور على موقعها الرسمي حتى اليوم: " ولا توصي المنظمة باتخاذ أية تدابير صحية محددة بشأن المسافرين. ويُنظر عموماً إلى ما ‏يُجرى من فحوص لهم عند الدخول على أنها قليلة الفائدة وتلزمها موارد كبيرة بالوقت نفسه. ‏ويُشجع المسافرون في حالة إبدائهم لأعراض توحي بإصابتهم باعتلالات تنفسية، سواء قبل ‏سفرهم أم أثناءه أم بعده، على السعي إلى الحصول على العناية الطبية وإطلاع من يزودهم ‏بخدمات الرعاية الصحية على تاريخ سفرهم. ولا تنصح المنظمة بفرض أية قيود على الصين ‏بشأن حركة السفر أو التبادل التجاري معها بناءً على المعلومات المتوفرة حالياً عن هذا الحدث.‏"[i]
وإنني أتساءل هنا: ماذا لو قامت WHO في تلك المرحلة بإعلان ووهان مدينة مغلقة، وأعلنت أنه يجب منع السفر منها وإليها، ووجهت كل إمكاناتها لمنع تفشي المرض عالمياً، وحاصرت الوباء في مهده، ألن تنتهي الجائحة في ووهان، وتكون بهذا قد جنبت العالم كل هذه الخسارات في الأنفس والأموال.
لقد صدَّع الاشتراكيون رؤوسنا بالحديث عن النقد والنقد الذاتي؛ لكنهم يكيلون المديح لإنجازات الدولة الاشتراكية في الصين متحدثين بلغة الأرقام، ومتناسين أن الإنسان ليس حيوانًا داجنًا حتى يتمَّ إلغاء عقله، وتكميم فمه، وقطع لسانه، ويتم تحويله إلى مسنن في عجلة إنتاج مجنونه. بل إنَّهم يتجاهلون الأرقام الأخرى السلبية: فماذا يعني لكم أن يكون 72% من أحكام الإعدام في العالم في الصين، وماذا يعني أن يكون ترتيب الصين في المؤشر السنوي لحرية الصحافة 159 من أصل 169 دولة، وماذا يعني لكم "رجل الدبابة" الذي وقف أمام سرب من الدبابات العسكرية ليمنعها من الذهاب إلى المحتجين في ساحة تيان آن سنة 1989، وماذا يعني اختفاء هذا الرجل وعدم ظهور أيِّ معلومة عنه حتى الآن. من هم أشباه الآلهة الجدد الذين يفوضون أنفسهم أوصياء على البشر في الحزب الشيوعي الصيني، وهل هذا ما وعدت الشيوعية به أنصارها من البسطاء والعمال والفلاحين.
مئات الملايين من الكاميرات والحساسات تراقب كل صغيرة وكبيرة في حياة الناس ولا تترك لهم أي هامش للحرية والخصوصية تجمع المعلومات عنهم وتخزنها في كمبيوتر عملاق، فإذا ما أرادوا محاكمته استخرجوا كل صغيرة وكبيرة في حياته بكبسة زر واحد، هل هذا هو الوعد الذي وعدتنا به الاشتراكية، إذا كان الأمر كذلك أقول لكم: شكرا، لا نريدها، أفضل أن أموت جوعًا في عالم أتمتع فيه بحريتي في الاختيار والحديث على أن يسوسني مجموعة من المتألهين الذين يتعاملون مع الإنسان وكأنه قطعة في آلة.  
ليس هذا فقط، فالكثيرون من المحللين يقولون أنَّ الصين قدمت مصباح علاء الدين السحريّ لنادي كبار رجال المال في العالم لكي يعيدوا النظر في الشكل الحديث للدولة ليصبح العالم كله مزرعة واحدة، ويتخلص من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكل المواثيق والعهود التي انبثقت عنه، ويصبح الإنسان رقمًا مجهولا بلا رأي أو موقف مثل الدواجن التي تُساق إلى الذبح كل يوم في أصقاع العالم، وفي ذلك اليوم سيجلس أعضاء نادي كبار رجال المال جلسة تتظاهر بالوقار مثل جلسة قيادات الحزب الشيوعي في الصين ليقرروا ما هي مصلحة الناس كما يرونها لا كما يختارها الناس أنفسهم.
وإنني في هذه اللحظة أقرع الجرس وأنادي سكان العالم كلهم، وأقول إننا كنا نناضل من أجل الكرامة والمساواة والحرية والعدالة وتكافؤ الفرص والتشاركية، لا تسمحوا لأي منهم، لا لنادي رجال المال، ولا لمتألهي الاشتراكية أن يمسحوا العهد الذي توافق عليه العالم سنة 1948 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما انبثق عنه من مواثيق وعهود، فالحرية واللقمة الكريمة متلازمتان لا يعود الإنسان إنسانًا إذا تخلى عن أيّ منهما.


[i] موقع منظمة الصحة العالمية الرسمي:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق