بقلم: علي طه النوباني
قلما أشاهد اللقاءات مع شخصيات من النخب السياسية، ولكن
أحيانا تفرض عليك وسائل التواصل الاجتماعي مشهدا قصيرا لمسؤول كبير من هنا أو
هناك.
يقول أحد وجوه النخبة السياسية ردا على أحد الأسئلة التي
وجهها له المذيع حول حادثة مؤلمة حدثت معه: هل تريدني أن أبكي؟
والحقيقة أنني –
على الرغم من تعاطفي إنسانيا مع قصته - شعرت بدوار في رأسي وأنا أتساءل:
هل صحيح أن هؤلاء بشر مثلنا يبكون ويضحكون ويتعاطفون
ويحبون ويكرهون؟
وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يبكون على ما آلت إليه
حالنا، وهي صنيعة تخطيطهم وإدارتهم ومشاركتهم بالفعل حينا، وبالتواطؤ والصمت حينا
آخر.
ألا يرون معدل البطالة الذي يرتفع مؤشرة مثل الحرارة في
شهر آب؟
ألا يرون عشرات الآلاف من الخريجين العاطلين عن العمل،
والذين بلغوا حالة من الإحباط واليأس وخيبة الأمل التي تنبت في صحراء الظلم وعدم
تكافؤ الفرص وقلة الضمير والتقريب الرياضي المبالغ به بين المئة والخمسين!
ألا يرون الأسر التي تآكل دخلها تحت وطأة الفقر المدقع، بعد
وعودٍ كثيرة بالحياة الكريمة آلت إلى مصنع للتعاسة والبؤس!
ألا يرون إلى الفوضى العارمة التي أضاعت حقوق العباد،
وأفشلت كل من حاول بصدق أن ينجح دون فساد ومحسوبية ومقايضات قذرة؟
ألا يرون إلى مصطلح العدالة الاجتماعية كيف تحول إلى مسخ
في بلاد العرب التي ساحت فيها القيم على بعضها حتى لم يعد هنالك فرق بين الاجتهاد
والكسل، والعدل والظلم، والليل والنهار، والحمامة البيضاء والوحش الكاسر.
لقد احتار المحللون في مسألة دموع التماسيح، ولكنَّ أقوى
التحليلات تقول بأن التمساح يغص بجسم فريسته؛ فتنزل دموعه ليس حزنا، وإنما بسبب
ضغط حجم الفريسة على حلقه وجوفة، ولا يسعني هنا إلا أن أتمنّى لكل فاسِد وظالم أن
يغص الغصَّة الأخيرة؛ فلا يبقى له وقت لنرى دموعه التي ترفع ضغط ملايين المظلومين
والمخنوقين بصمت المحافظة على الروح على امتداد أرضنا العربية المنكوبة بالتماسيح
والوحوش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق