الخميس، 15 أغسطس 2024

هولندا الداعم الأوروبي الثاني لإسرائيل بعد ألمانيا

 

كتب: علي طه النوباني

تم الاستعانة بحلقة المخبر الاقتصادي كمصدر للمعلومات(https://www.youtube.com/watch?v=0dovfAo9oag)

في بلدة صغيرة جنوب هولندا تُدعى "فونز بارك"، تُعرف هذه البلدة بين الهولنديين بأنها مقر لمستودع "ال سي دبليو" التابع للقوات الجوية الملكية الهولندية، والذي يُعتبر المستودع المركزي في أوروبا لقطع غيار المقاتلات الأمريكية الشبحية "F-35". يتم شحن قطع الغيار من هذا المستودع لحلفاء الولايات المتحدة الذين يستخدمون هذه الطائرة، بما في ذلك إسرائيل. يُعتبر أسطول طائرات "F-35" العمود الفقري للقوات الجوية الإسرائيلية، والتي استخدمتها بشكل كثيف في قصف قطاع غزة خلال العدوان الحالي.

في ديسمبر 2023، رفعت بعض المنظمات الحقوقية دعوى قضائية ضد الحكومة الهولندية بهدف وقف تصدير قطع غيار "F-35" للجيش الإسرائيلي. رفضت محكمة لاهاي هذا الطلب، ولكن المنظمات الحقوقية لم تتراجع وقررت اللجوء إلى محكمة الاستئناف في لاهاي. وفي تطور مفاجئ، أصدرت محكمة الاستئناف في لاهاي قرارها في 12 فبراير 2024، وأمرت الحكومة الهولندية بوقف تصدير قطع الغيار إلى إسرائيل خلال سبعة أيام فقط.

وفي تعليق على القرار، أعلنت الحكومة الهولندية في اليوم نفسه أنها ستستأنف الحكم أمام المحكمة العليا، وهو أمر كان متوقعًا، خاصةً وأن رئيس الوزراء الهولندي كان موجودًا في القدس المحتلة في اليوم الذي صدر فيه قرار محكمة الاستئناف. والجدير بالذكر أن هذه كانت الزيارة الثالثة لرئيس الوزراء الهولندي مارك روتا إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر.

يُعتبر رئيس الوزراء الهولندي مارك روتا أكثر زعيم في العالم اجتمع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة. وخلال هذه الاجتماعات، كان يُعبر بوضوح عن دعمه للاحتلال الإسرائيلي. وفي الواقع، فإن أي شخص على دراية بتاريخ العلاقات الهولندية الإسرائيلية ومواقف هولندا من القضية الفلسطينية لن يتفاجأ أبداً من سلوك الحكومة الهولندية الحالي. على العكس، فإن هولندا تتنافس مع ألمانيا على لقب الدولة الأوروبية الأكثر دعماً للاحتلال الإسرائيلي.

ولكن ما هي قصة هولندا مع الاحتلال الإسرائيلي؟ وما هو سر الدعم المستمر من الحكومات الهولندية المتعاقبة لإسرائيل؟ وكيف كانت هولندا صديقاً وفياً للإسرائيليين، وقدمت لهم المساعدة في العديد من المواقف الصعبة؟

بعد دقائق من إعلان الاحتلال الإسرائيلي قيام دولته في فلسطين المحتلة في 14 مايو 1948، اعترف الرئيس الأمريكي حينها هاري ترومان بهذه الدولة، لتصبح الولايات المتحدة أول دولة في العالم تعترف بها. وعلى عكس الولايات المتحدة التي كانت متحمسة جداً لدعم الكيان الصهيوني، كانت العديد من الدول حول العالم، خاصة في أوروبا، أقل حماساً للاعتراف بدولة الاحتلال. كانت لهذه الدول حسابات خاصة ومصالح تسعى للحفاظ عليها، ومن بين هذه الدول هولندا.

اتخذ الهولنديون في بداية الصراع العربي الإسرائيلي موقفاً محايداً إلى حد كبير، وهو ما انعكس على موقفهم من الاعتراف بدولة الاحتلال عندما تم إعلان قيامها. في ذلك الوقت، كانت هولندا تحتل منطقة الهند الشرقية (إندونيسيا حالياً) في شرق آسيا، وكانت تخوض صراعاً مسلحاً مع الشعب الإندونيسي الذي كان يسعى لطرد الاحتلال الهولندي والحصول على الاستقلال.

خشي الهولنديون من أنَّ اعترافهم بالدولة التي أسستها العصابات الصهيونية في فلسطين قد يُثير مشاعر الشعب الإندونيسي، الذي كانت أغلبيته الساحقة من المسلمين، ويحفزه على مواصلة الكفاح ضد الهولنديين الذين كانوا يحاولون بشدة الحفاظ على سيطرتهم على إندونيسيا. لهذا السبب، تأخر الاعتراف الهولندي بدولة الاحتلال، لكن هذا التأخير لم يدم طويلاً، حيث نجح الإندونيسيون في أواخر عام 1949 في هزيمة الهولنديين وانتزاع الاعتراف باستقلال إندونيسيا.

عندما فقد الهولنديون سيطرتهم على إندونيسيا وطُردوا منها، لم يعد هناك ما يمنعهم من الاعتراف بالدولة الصهيونية الوليدة، وبالفعل اعترفوا بها رسمياً في يناير 1950. منذ ذلك الحين وحتى اليوم، تواصل هولندا دعمها القوي للاحتلال الإسرائيلي، حتى أصبحت تُعتبر واحدة من أكثر الدول وفاءً للإسرائيليين.

تطورت العلاقات الهولندية الإسرائيلية في بدايتها بفضل الصداقة الوثيقة التي جمعت بين رئيس الوزراء الهولندي وليم دريس وأول رئيس وزراء للاحتلال، ديفيد بن غوريون. وفقاً للصحفي الهولندي فرانس بيترز، توصّل الرجلان إلى اتفاق شفهي غير مكتوب يضمن دعم هولندي غير مشروط لإسرائيل في الأوقات الصعبة وأوقات الاضطرابات.

أول دليل على هذا الدعم الهولندي غير المشروط لإسرائيل ظهر في أكتوبر 1956، مع اندلاع العدوان الثلاثي على مصر. دعمت الحكومة الهولندية آنذاك هجوم الجيش الإسرائيلي على شبه جزيرة سيناء المصرية، واعتبرت أن الهجوم مُبرر بسبب التهديد الكبير الذي تشكله الدول العربية، وبخاصة مصر، على إسرائيل. وقد أيد البرلمان الهولندي بالكامل تقريباً موقف الحكومة الهولندية من الاحتلال الإسرائيلي والعدوان الثلاثي. لم يقتصر الدعم على الجانب السياسي فقط، بل شمل أيضاً توريد الأسلحة سراً لإسرائيل.

لكن الدعم الهولندي لإسرائيل في عام 1956 يبدو ضئيلاً مقارنةً بما قدمته هولندا في عام 1967، عندما قام جيش الاحتلال الإسرائيلي باحتلال سيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية، والجولان. مرة أخرى، وقفت هولندا بكل قوتها إلى جانب إسرائيل، ودعمتها في عدوانها على الأراضي العربية.

كان الدعم الهولندي لإسرائيل خلال حرب 1967 واسع النطاق وشاملاً: الشعب الهولندي، الحكومة، البرلمان، وحتى الملكة، كلهم كانوا داعمين لإسرائيل. خرج آلاف الهولنديين في مسيرات داعمة لإسرائيل، وشاركوا في حملات للتبرع بالمال والدم لصالح الكيان الصهيوني. في غضون أسابيع، جمع الهولنديون 18 مليون جلدر و9000 وحدة دم لصالح جرحى جيش الاحتلال. خلال الحرب، كانت طائرات شركة "العال" الإسرائيلية تقوم بثلاث رحلات يومياً لنقل المستلزمات الطبية، ووحدات البلازما، وأجهزة نقل الدم من أمستردام إلى تل أبيب.

كانت هولندا كلها تقريباً تتابع أخبار الحرب لحظة بلحظة للاطمئنان على الإسرائيليين. وأشارت نتائج استطلاع رأي أجراه المعهد الهولندي للرأي العام مباشرة بعد حرب 1967 إلى أن 67% من سكان هولندا كانوا متعاطفين مع الإسرائيليين، حيث أشار معظم المشاركين في الاستطلاع إلى الهولوكوست أو المحرقة كسبب رئيسي لدعمهم لإسرائيل، التي لم تكتفِ باحتلال الأراضي الفلسطينية، بل توسعت في احتلال أراضي دول عربية أخرى.

استمر الدعم السياسي الهولندي لإسرائيل من خلال البرلمان الهولندي الذي شجع الحكومة على تزويد الإسرائيليين بالمعدات العسكرية، بما في ذلك مكونات الطائرات المقاتلة والدبابات. الحكومة الهولندية، بالإضافة إلى ملكة هولندا آنذاك، الملكة يوليانا، كانت داعمة لإسرائيل بدرجة كبيرة. وصلت دعمها إلى حدٍ كاد أن يتسبب في أزمة دستورية في هولندا للتأكيد على تأييدها للإسرائيليين. ففي 16 يونيو 1967، استقبلت يوليانا في قصرها ممثلي لجنة هولندية تُدعى "العمل الجماعي من أجل إسرائيل" لتطلع على آخر مستجدات المساعدات الهولندية لإسرائيل. عبرت عن قلقها على مصير الإسرائيليين، وأعربت عن رغبتها في إصدار بيان عام تنتقد فيه سياسة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وتدعو الناس للصلاة من أجل إسرائيل. ولكن، هذا البيان كان مخالفًا لبروتوكولات الملكية الدستورية في هولندا، حيث إن دور الملك رمزي ولا يتدخل في الحكم. نتيجة لذلك، تدخل وزير خارجية هولندا آنذاك، جوزيف لونز، وأوضح لها أن منصبها لا يسمح لها بإصدار مثل هذا البيان.

انتهت حرب 1967 باحتلال إسرائيل لمناطق عربية عدة، بما في ذلك سيناء المصرية والجولان السورية. ومع مرور الوقت، قرر المصريون والسوريون استرجاع أراضيهم المحتلة عبر شن هجوم مشترك مفاجئ على إسرائيل في 6 أكتوبر 1973. على عكس حربي 1956 و1967، كان جيش الاحتلال الإسرائيلي في موقف حرج للغاية خلال حرب أكتوبر 1973، خاصة في الأيام الأولى، حيث كاد أن ينهار تمامًا. وهنا برزت هولندا مجددًا كإحدى أكثر الدول وفاءً ودعمًا لإسرائيل.

الجدير بالذكر أن الدعم الهولندي لإسرائيل لم يكن مرتبطًا فقط بالأزمات أو الحروب. فقبل حرب 1973، تم تدريب مجموعة من الجنود الإسرائيليين في هولندا بين عامي 1971 و1972. وخلال هذه التدريبات السرية، درّب الهولنديون الجنود الإسرائيليين على استخدام ناقلة الجند الأمريكية المدرعة "M113" وعلّموهم كيفية إطلاق النار باستخدامها. كان لهذا التدريب أهمية كبيرة لإسرائيل، حيث اعتمدت بشكل كبير على هذه المدرعة خلال الحرب مع مصر وسوريا. ومع اندلاع الحرب في 6 أكتوبر، وعلى الرغم من المفاجأة الاستراتيجية للهجوم المصري والسوري، كان حلفاء إسرائيل، بما فيهم الهولنديون، واثقين في قدرة سلاح الجو الإسرائيلي المتطور على سحق الهجوم بسرعة. ولكن مع مرور الوقت، أدرك الجميع، بما فيهم الهولنديون، أن تقديراتهم لقوة الجيش الإسرائيلي كانت مفرطة في التفاؤل، وأن وضع إسرائيل كان سيئًا للغاية، خاصة على الجبهة المصرية التي كانت مجهزة بدفاع جوي قوي لتقليص تأثير سلاح الجو الإسرائيلي.

بعد وصول تقارير عن تدهور الوضع الإسرائيلي في الحرب، اجتمع رئيس وزراء هولندا، يوب دن إل، في 8 أكتوبر 1973 مع وزراء الخارجية، والعدل، والشؤون الاقتصادية، والدفاع لمناقشة سبل مساعدة إسرائيل. قرروا أولاً الدعوة إلى وقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن بشروط مقبولة للطرفين، لكنهم فضلوا أن يكون وقف إطلاق النار على أساس الوضع الذي كان قبل الحرب، مما يعني انسحاب الجيش المصري من الأراضي التي حررها والعودة إلى الوضع الذي كان عليه صباح يوم 6 أكتوبر، وهو اقتراح شديد السُّخف يعكس انحيازًا واضحًا لإسرائيل.

في نفس الاجتماع، اتفق الهولنديون على ضرورة منع أي محاولة من الدول العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة لوصف الاحتلال الإسرائيلي بأنه عدواني. أبلغوا مندوبهم الدائم في الأمم المتحدة بهذا الأمر وطلبوا منه التصويت ضد أي قرار يدعو لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر عام 1967، والذي يلزم الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب من الأراضي التي احتلها في يونيو من ذلك العام. قررت هولندا في ذلك الوقت تقديم كل الدعم الدبلوماسي الممكن لإسرائيل، لكنها لم تكتفِ بذلك. ففي 7 أكتوبر، طلب السفير الإسرائيلي في هولندا، شنان بارون، من وزير الخارجية الهولندي تقديم الدعم العسكري والمادي لإسرائيل. كان الإسرائيليون في حالة يأس بسبب وضعهم السيئ في الحرب، وكانوا يواجهون صعوبة في تأمين الدعم العسكري لجيشهم، خاصة بعد أن فرضت بريطانيا وفرنسا حظرًا على تصدير الأسلحة لجميع أطراف النزاع، بما في ذلك إسرائيل. كما أن الجسر الجوي الأمريكي لم يبدأ إلا بعد فترة من الزمن.

في هذا السياق، عندما تواصل السفير الإسرائيلي مع الهولنديين، كانت هولندا تقريبًا الخيار الوحيد المتبقي لتزويد الجيش الإسرائيلي بالذخيرة وقطع الغيار الضرورية. وبحسب السفير الإسرائيلي، فإن رد وزير الخارجية الهولندي على طلبه كان باردًا نسبيًا، ربما بسبب التقارير المتفائلة حول قوة الجيش الإسرائيلي. ورغم ذلك، لم يستسلم السفير الإسرائيلي واستمر في التواصل مع رئيس الوزراء الهولندي ووزير الخارجية. وكان الأخير متعاطفًا جدًا مع الإسرائيليين، لدرجة أنه شارك شخصيًا في مظاهرة دعم لإسرائيل في أمستردام يوم 13 أكتوبر. كما تواصل مع الملحق العسكري الإسرائيلي في باريس للاستفسار عن احتياجات الجيش الإسرائيلي، وجاءه الرد في اليوم التالي بأنهم بحاجة ماسة للذخائر من عيار 105 ملم و155 ملم. وقد استجابت هولندا لهذا الطلب، وزودت إسرائيل بالذخيرة وقطع الغيار لدبابات سنتوريون التي كانت تشكل نصف قوة الدبابات الإسرائيلية خلال الحرب.

دعم الهولنديون الاحتلال الإسرائيلي رغم المخاطر التي تعرضوا لها، حيث تسبب ذلك في فرض حظر نفطي عليهم من قبل الدول العربية المنتجة للنفط، مما أدى إلى أزمة طاقة كبيرة في هولندا. كان موقف هولندا مختلفًا عن مواقف جيرانها في أوروبا، الذين فضلوا البقاء على الحياد خوفًا من استخدام العرب لسلاح النفط. وعندما زارت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير لندن في نوفمبر 1973 لحضور مؤتمر الأممية الاشتراكية بعد وقف إطلاق النار، وبّخت الزعماء الأوروبيين لعدم دعمهم الكافي لإسرائيل في الحرب. ومع ذلك، شكرت اثنين فقط من القادة الأوروبيين الحاضرين لدعمهما لإسرائيل، وهما رئيس وزراء هولندا يوب دن آيل ومستشار ألمانيا الغربية فيلي برانت. وما زالت هذه الدول تدعم إسرائيل حتى اليوم.

انتهت الحرب، لكن الدعم الهولندي لإسرائيل استمر. فعلى سبيل المثال، عندما قطعت بولندا علاقاتها مع إسرائيل في عام 1967، وافقت الحكومة الهولندية على تمثيل المصالح الإسرائيلية في بولندا من عام 1967 حتى عام 1990. كذلك قدمت هولندا نفس الخدمة لإسرائيل في موسكو عندما انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي وإسرائيل. وبين فبراير ويوليو 1953، كانت هولندا دائمًا تقف بجانب إسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، حيث صوتت ضد القرارات التي تدعو إلى حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.

الاستثناء الوحيد في السياسة الهولندية كان مشاركتها في مشروع ميناء غزة في أواخر التسعينات، حيث قدمت منحة تقدر بحوالي 23 مليون يورو. ولكن للأسف، لم يكتمل المشروع بسبب تدميره من قبل الجيش الإسرائيلي خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية. ومع ذلك، لم يكن هذا الدعم دليلاً على تغيير جذري في السياسة الهولندية، إذ رفض وزير الخارجية الهولندي ياب دي هوب شيفر مطالبة إسرائيل بتعويضات عن تدمير الميناء، حيث كان يميل لدعم الإسرائيليين مثل أغلب وزراء خارجية هولندا. وربما كان الاستثناء الوحيد هو وزير الخارجية الهولندي بوت، الذي شغل المنصب من ديسمبر 2003 حتى فبراير 2007، حيث كان يسعى لتقديم دعم أكبر للفلسطينيين، ولكن في النهاية استسلم للواقع السياسي، حيث منع البرلمان الهولندي أي جهود لزيادة الدعم السياسي للقضية الفلسطينية.

بقيت هولندا على موقفها الداعم لإسرائيل، وساهمت في حماية إسرائيل من الانتقادات الدولية. فعلى سبيل المثال، في فبراير 2012، أصدر دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي تقريرًا حول عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وأيدت جميع دول الاتحاد التقرير باستثناء هولندا، التي أبدت تحفظات عليه. وزير الخارجية الهولندي أور زنتال كسر إجماع الدبلوماسيين الأوروبيين في الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما جعل البعض يعتبر هولندا الصديق الأقرب لإسرائيل في أوروبا، حتى أكثر من ألمانيا التي رغم دعمها الكبير لإسرائيل، تتبنى مواقف أكثر تقدمية بشأن القضية الفلسطينية.

في هذا السياق، يمكن فهم موقف هولندا الحالي من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 40,000 شخص، معظمهم من النساء والأطفال. رغم كل هذا القتل والتدمير، لم يتغير موقف هولندا الداعم لإسرائيل. للأسف، تشارك هولندا في جرائم الاحتلال الإسرائيلي من خلال توفير الغطاء السياسي الذي يسمح باستمرار القتل والتدمير، ومن خلال عدم منع وصول أدوات القتل، مثل قطع غيار طائرات F-35، إلى الجيش الإسرائيلي.

لن تنسى الأمتان العربية والإسلامية دور هولندا السلبي في منطقة الشرق الأوسط، ومشاركتها المباشرة وغير المباشرة في الإبادة الجماعية وجرائم الحرب البشعة التي ترتكبها دولة الكيان الصهيوني إسرائيل في فلسطين عامة وفي قطاع غزة خاصة.


الخميس، 25 يناير 2024

قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية تكشف أيضاً الولايات المتحدة والغرب

 

كتبتها: مارغريت كيمبرلي، محرر تنفيذي في موقع BAR (Black Agenda Report) وكاتب عمود

 17 يناير 2024

ترجمها عن الإنجليزية: علي طه النوباني

إن اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية من قبل جنوب أفريقيا يثبت أن هذه الكلمة الخطيرة للغاية يجب أن تستخدم في كثير من الأحيان بدلاً من التعامل معها على أنها نادرة. لقد ارتكبت الولايات المتحدة ودول الغرب عددًا لا يحصى من عمليات الإبادة الجماعية، ويجب وصف أفعالهم على هذا النحو.

في 11 كانون الثاني (يناير) 2024، بدأت محكمة العدل الدولية في الاستماع إلى تهمة الإبادة الجماعية التي وجهتها جمهورية جنوب إفريقيا ضد دولة إسرائيل. لقد صادقت إسرائيل على اتفاقية الإبادة الجماعية، وبالتالي فهي ملزمة بالتمسك بمبادئها. ليس من الصعب العثور على تعريف الإبادة الجماعية، كما أنه ليس من الصعب فهمه.

في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي، أو الجزئي، لجماعة قومية، أو إثنية، أو عنصرية، أو دينية، بصفتها هذه:

قتل أفراد الجماعة؛

التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطير لأعضاء المجموعة؛

تعمد فرض ظروف معيشية على المجموعة بهدف تدميرها الجسدي كليًا أو جزئيًا؛

فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل الجماعة؛

نقل أطفال المجموعة قسراً إلى مجموعة أخرى

ومن الواضح أنَّ قطع المياه والكهرباء، وقصف المستشفيات، ومنع المساعدات الغذائية والطبية، كلها تندرج ضمن هذا التعريف. ولم تكتف إسرائيل بارتكاب هذه الأفعال علناً فحسب، بل إن مسؤوليها يتفاخرون علناً بارتكابهم هذه الأفعال، ويجعلون من السهل إثبات قضية جنوب أفريقيا.

ولكن، هنالك نقطة أخرى يوضحها هذا التعريف، وهي أن الولايات المتحدة ارتكبت وترتكب جرائم إبادة جماعية محليًا ودوليًا. وبالطبع فقد لعب السود الدور الأكبر في إثارة هذه القضية بدءًا من عام 1951 عندما نشر مؤتمر الحقوق المدنية كتيبًا بعنوان "نحن نتهم بالإبادة الجماعية" ووثق القضية ضد الحكومة الأمريكية. لا تزال هذه الاتهامات سارية لأن السود كانوا المجموعة التي كانت ضحية السجن الجماعي في المقام الأول، وجميع التأثيرات الأخرى للرأسمالية العنصرية، بدءًا من الحرمان من حقوق السكن إلى الرعاية الطبية اللائقة.

وإذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، فإن الولايات المتحدة فعلت الشيء نفسه، ودعمت آخرين في ليبيا وسوريا والصومال واليمن وهايتي. هذه القائمة الطويلة من الجرائم هي أحد الأسباب التي جعلت وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومسؤولين آخرين يصفون اتهامات جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بأنها “لا أساس لها من الصحة”. إذا اعترفوا بالإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل، فإن ذلك لن يفضح مسؤولية الولايات المتحدة فحسب، بل سيتعين عليهم الاعتراف بأخطائهم أيضًا.

يجب ألا يُنظر إلى مصطلح الإبادة الجماعية على أنه ينطوي على نوع من المعايير العالية التي لا يمكن استخدامها إلا في ظروف نادرة. بل على العكس من ذلك، ينبغي استخدامه في كثير من الأحيان حتى يتسنى الكشف عن ذنب الولايات المتحدة. إن الممارسة الأمريكية المتمثلة في فرض إجراءات اقتصادية قسرية، والمعروفة باسم العقوبات، تمنع شعوب كوبا وإيران وزيمبابوي وفنزويلا و30 دولة أخرى من تأمين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والرعاية الطبية. تعتبر التدابير الاقتصادية القسرية جريمة حرب بحكم تعريفها لأنها تفرض عقابًا جماعيًا على المدنيين.

لقد قدمت جمهورية جنوب أفريقيا للعالم خدمة جليلة، ليس فقط لأنها تكشف خطورة جرائم إسرائيل، بل لأنها تكشف أيضًا كيف تم تطبيع هذه الجرائم في جميع أنحاء العالم. وبطبيعة الحال، ينضم حلفاء الولايات المتحدة مثل كندا وألمانيا والمملكة المتحدة إلى إنكار مطالبة جنوب أفريقيا. أولاً، يفعلون ما يُطلب منهم لأنهم دول تابعة صغيرة جيدة وموثوقة، لكنهم انضموا إلى جرائم الولايات المتحدة، ولديهم أيضًا تاريخهم الخاص من الإبادة الجماعية.

وقعت أول إبادة جماعية في القرن العشرين في ناميبيا، التي كانت مستعمرة ألمانية آنذاك، في الفترة من 1904 إلى 1908، عندما قُتل الآلاف من شعب الهيريرو أثناء محاولتهم تحرير أنفسهم من الحكم الإمبراطوري. ولم تغرب الشمس أبدًا عن الإمبراطورية البريطانية بسبب وحشيتها التي ارتكبت في الخمسينيات من القرن الماضي أثناء النضال الثوري في كينيا عندما تم استخدام عمليات القتل الجماعي ومعسكرات الاعتقال لإخماد التمرد. إن التدمير المنهجي للسجلات التي وثقت هذه الفظائع هو دليل على ذنب بريطانيا في ارتكاب الإبادة الجماعية.

إن الاهتمام الموجه إلى قضية محكمة العدل الدولية في لاهاي هو فرصة لرفع حجاب السرية والتواطؤ وتوعية العالم بأن الممارسات الطبيعية هي في الواقع إبادة جماعية. كل الحروب والتدخلات التي تراوحت بين تغيير النظام في هايتي إلى الغزو الشامل للعراق وأفغانستان، كانت تهدف إلى تدمير الجماعات الوطنية. ولا ينبغي أن يكون الرد هو التوقف عن استخدام كلمة الإبادة الجماعية، بل جعل استخدامها أكثر شيوعاً. إن القيام بخلاف ذلك يسمح للمذنب بالتصرف مع الإفلات من العقاب.

لقد خلقت جنوب أفريقيا أزمة للعالم، ولابد من الإشادة بها على قيامها بذلك. الآن يعرف الملايين من الناس كيف يتم تعريف الإبادة الجماعية ويعرفون أن دولهم مذنبة بهذه الممارسة. لقد أصبح الآن الخوف أقل بشأن تسمية الأسماء، كما أصبح هناك استعداد أكبر للتحدث بصدق عما هو مقبول في كثير من الأحيان. لقد كتبت دول الغرب الجماعي كما تسمي نفسها التاريخ وتبرأت من نفسها على الرغم من كونها الجناة على مدى قرون. المسؤولون الإسرائيليون مرتكبو جرائم إبادة جماعية، لكنهم ليسوا وحدهم. ويجب محاسبة كل من يساعد ويحرض.

لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط على الرابط أدناه

Black Agenda Report

https://www.blackagendareport.com/south-africas-case-icj-also-exposes-us-and-west

 


الأحد، 31 ديسمبر 2023

رسالة إلى أبي رُغال

 

                                                       شعر: علي طه النوباني

تَوارَ فَـإِنَّ سَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوادَكَ بـــادِ

وَوَجهُـكَ أُسُّ خَـــرابِ البِــــــــــــــــــــــلادِ

وَأنتَ خُــــــــــــــــــــــــــواءُ الطَّريقِ وَأنتَ

غِيابُ الهُدى في القُرى والبَوادي

وَأنتَ حِــــــــــــــــــــــــــــدادٌ يُغطّي مَدانا

وَأنتَ غُـــــــــــــــــــــــرابٌ غَفا في الرَّمادِ

وَأنتَ الهَــــــــــــــــــــــــزيمَةُ في كُلِّ فَجرٍ

وَأنتَ الرَّداءَةُ في كُـــــــــــــــــــــــــــــــــــلِّ نادِ

وَلولا نَراكَ تُفرِّخُ شُـــــــــــــــــــــــــــــــــــــؤماً

لَكُــنْـتَ عِداداً بِصَـــــــــــــــــــــفِّ الجَمادِ

وهذا التُّرابُ تَناســــــــــــــــــــلَ عِشْقاً

فَلَيسَ يُســــــــــــــــــــــــــــــاكِنُ قَفزَ الجَرادِ

خَذلْتَ المَواسِــــــــــــــمَ والزَّهْرَ لُؤْماً

وَأَطلقْتَ نارَكَ صَـــــــــــــوبَ الجَوادِ

وَيَوماً سَــــــــــــــــــتَهوي جَريحاً ذَليلاً

وَتَفنى وَحـــــــــــــــــــــــــــــــــــيداً بِغَيرِ عِدادِ

وَأُمُّ المَعــــــــــــــــــــــــــــــــارِكِ جاءَتْ مِراراً

فَأَســـــــــبَلْتَ فيها فُصــــــــــولَ الحِدادِ

خَذَلْتَ الرُّجـــــــــــــــــــــــولَةَ وَالحَقَّ لُؤْماً

وَجانَــبْتَ مَجـــــــــــــــــــــداً طَويلَ العِمادِ

وَسَــــــــــــــــــــــــوفَ أُبَدِّلُ جِلدي بِشَوكٍ

إِذا ما سَـــــــــــــــــــــــــــمِعْتُكَ يوماً تُنادي

سَـــــــــــــــأَنفِي المَوانئَ إِنْ كُنــتَ فيها

وَأُطفِئُ فيها شُــــــــــــــــــــــــــــــموعَ الوِدادِ

وَأَقصِــــــــــــــــفُ صَوتَكَ والأُفقُ يَغلي

وَأَكتُبُ وَحدي فُصــــــــــــــــــولَ الرَّشادِ

لِأَنــــــَّكَ مَـــــــــوْتٌ، لِأَنـــِّيَ صَـــــــــــــــــــــــــوْتٌ

لِأَنَّ المَشـــــــــــــــــــــــــــــــــاعِلَ مَجدٌ يُنادي

أقاوِمُ حَشْــــــــــــــدَ الوُحوشِ الضَّواري

وَأَنتَ تُغازِلُ فُجْرَ الأَعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــادي

سَــــيَهوي الرَّقيعُ، وَيَعلو الرَّبيـــــــــــــــــعُ

وَتَمضي بِعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــارِكَ واداً لِوادِ

وَمِثلُكَ لَمْ تَصـــــــــــــــــــــــــــــــــــطَفيهِ المَثاني

فَأَثــخن طَعْناً ظُــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــهورَ العِبادِ

دَعَتْكَ الثــُّريا فَأَســــــــــــــــــــــــــــــــــبَلــْتَ جَفْناً

كَســــــــيراً لِتَسْـــــــــــــــــــكُنَ تَحْـــــــــتَ الرَّمـــادِ

فَما نِلْتَ مَـــــــجــــــــداً أَثيـــــراً يُحــــــــــــــــاكى

ولا غِبْتَ عَنْ صَــــــــــــــفَحاتِ السَّـــــــــــوادِ

سَــــنَطوي الرِّســـــــــــــــــــالَةَ والدَّربُ يَبْقى

وُســـــــــــــــــومَ المُحــــــــــــــــــــارِبِ بَينَ الوِهادِ

وَيَكفِيكَ أنـــَّكَ سَـــــــــــــــــــــــــــــــطرٌ قَصـــــــــيرٌ

تـَقـَــنـَّعَ وَحـــــــــــــــــــلاً وَما رَدَّ عــــــــــــــــــــــــــــــــــادي

 


الأحد، 24 ديسمبر 2023

غَـــــزَّةُ جَــــنْدَلٌ وَحِصـــــــــــــــــــــــــــــــارُ

 



شعر: علي طه النوباني

شَــــــــــخَصَتْ إِليكَ تَوَسَّـــــــلُ الأَنظارُ            

                   يا رَبُّ غَـــــزَّةُ جَــــنْدَلٌ وَحِصـــــــــــــــــــــــــــــــارُ

يا ربُّ غَـــــزَّةُ والدِّيـــارُ كَأَنَّــــــــــــــــــــــــــــــــها               

                    قَلبٌ تَمَرَّغَ بالدُّمــــــــــــــوعِ يُــــثــــــــــــــــــــــــــارُ

جَمَعوا لَها مِن كُلِّ صَوبٍ مُجــرِماً           

                   فَمَضى الـرَّبيعُ، وَأُطفِئَتْ أَنـــــــــــــــــــــوارُ

والكـــــونُ أَصــــــــــبَحَ ناصِلاً مِنْ لَونِهِ              

                     يُردِي الأَبِـيَّ وَيَــــظــــهَـــــــــرُ الخَــــــــــــــــــوّارُ

وَتَجَـــــمَّــــــــــــــــعَ الأَوباشُ حولَ دِيارِنا           

                     فَبَــــــــدا الطَّــــــــــــــريــــــــقُ تَحُــــــفُّهُ الأوزارُ

تأتي الأَوابِــــــــــــــدُ كُلَّما أَغــــــــــــــــــــــرَيْتَها                 

                     فَــتَرى البُغاثَ وَتَنتَحي الأَقمــــــــــــــارُ

 فانطق بما تَروي البنــــادق إنَّهــــــــــــا  

                     بابُ الحَقيقـــــةِ حَيثُمــــا تَحتــــــــــــــــــــــارُ

والنارُ تَقدحُ جِيفَةً مَســــــــــــــــــــمولَةً                 

                     مِن جَفْنِ مَسْـــــــــخٍ حَولَهُ الأَســـوارُ

والنارُ تُحـرقُ أَوجُهاً مَشــــــــــــــــمولَةً        

                      بالخِزيِ تَــنْـبُتُ حَـــــولَها الأقــــــــــــــــــذارُ

والنارُ تَصـــــــــفَعُ ألسـُــــــــــــــــــناً هَدّارَةً                  

                       بالشَّــــــــــــــينِ يَعزِفُ لَحــنَها الأَغــــــيارُ

والنارُ تَفْــرِزُ مالـِـــــكاً مِن زائـِـــــــــــــــــــرٍ        

                         وَسِــــــخٍ تَعاقَبَ جَمْعَهُ الأشـــــــــــرارُ

والنارُ مِنْ ياسينَ يَسمَعُها النَّدى               

                        وَعَلى الصـَّــــــــــــــــدى يَتَفتَّحُ النُّــــــــــوارُ

لِتُغادِرَ الغِـــــــربانُ دَوحَ فَضـــــــــــــائنا               

                       وَتُضيءَ بالشُّـــــــــــــــــــهداءِ هذي الدّارُ

وَلَسـوفَ نَغرفُ فَجرنا مِنْ لَيلِكُم            

                          مَـهما أَقمتـُـمْ أيُّها الفُجـّــــــــــــــــــــــــــــــــــــــارُ

وَلَسوفَ نَمسَحُ خَطوَكُمْ عَنْ أَرضِنا        

                         حتى تَعودَ لِعِشْــــــــــــــــقِها الأَشــــــــجارُ

والنارُ حَرفُكَ إذ تُحدِّثُ مُجْــــــــــــــرِماً              

                        نَــزَقٌ يُـمَـزِّقُ شَـــــــــــــــــــأوَهُ وَغُبـــــــــــــــــــــــــــارُ

والنارُ دَربُكَ والمَرافئ كُــلـــُّــــــــــــــــــــــــــها       

                          نامَتْ، فَأَشــــــــــــــــعَلَ غَيظَها الأبـــــــرارُ

جاءَ المُدَنَّسُ يَبتَغي أَوطــــــــــــــــــاننا         

                          فَرَفَعتَ سَـــــــــــــــــــــــــــــيفَكَ، حَدُّهُ بَــــتّـــارُ

لَمْ تَـــكتَــرِثْ بِحَـــــــديدِهِمْ أو نارِهِمْ          

                         فالحَقُّ أَبلجُ، والخُـــنـــــــــــــــــــــــــــــــوعُ دِثارُ

هذا الترابُ مُنافـِــحٌ عنْ أهـــــــــــــــــلِهِ        

                            مَهما تَعاظَـــمَ صَـــــــــــــــــــــــوتُهُ الهَــــــدّارُ

لَهفي لِغَزَّةَ والأَحِـــــبَّــــةُ كُلـــــُّــــــــــــــــهم              

                             لَبِسـوا السَّوادَ وَوَدَّعوا إذ ســــــــاروا

لهفي لِغَزَّةَ والدُّروبُ تَناثَـــــــــــــــرَتْ              

                            وَرِجالُها فــــــــــوقَ الذُّرى ثُــــــــــــــــــــــــــــوّارُ

إنْ رُمْتَ مَجداً فاقتبِسْ مِنْ سِفرِهِمْ            

                           أَو فاحـتَـطِــبْ مِمّا رَأَى الأَغْـــــــــــــــــــرارُ

تِلكَ المَســــــــــــــــــــــــــالِكُ رُتبةٌ وَمَعــــــــــارِجٌ          

                           تَعـلو وَتدنو بَينَها الأطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــوارُ

أَرأَيتَ وَجهكَ وَالعُلـــــــــــــــــــــوجُ تَوافَدوا           

                          وَعَلتْكَ مِنهُمْ ذِلَّةٌ وَصَـــــــــــــــــــــــــــــــــغارُ

ســــــَـــــتُراقِبُ الأَيــّـــــــــــــــام حتّى تَـنتَــــــهي         

                          صِـــــــــفراً، وَيَصنَعَ دَهرَكَ الأَحــــــــــــرارُ

الخميس، 14 ديسمبر 2023

فلسطين بين نفاق الأصدقاء وسفالة الأعداء

 

بقلم: علي طه النوباني

في تصريح لوزير الخارجية الروسي لافروف يقول: "إن موسكو لن توافق على أي تسوية تمس أمن إسرائيل، ولا تشمل إقامة دولة فلسطينية".

وربما يبدو حديث لافروف لبعض العرب مغريا على الرغم من الإسفين الذي يدقه في الحقّ الفلسطيني، وهو أمن ما يسمى بإسرائيل!

كيف يكون أمن دولة فصل عنصري "أبارتيد" تنكر حق العودة للشعب الفلسطيني كما أقرته القوانين الدولية، وتسمح لنفسها بالاستيطان في أي قطعة أرض تحتلها ناظرة إلى الناس الأصليين فيها على أنهم مجرد سكان تنقلهم حيث تشاء، وتبيدهم متى تشاء.

كيف يمكن لأحد أن يطلب الأمن لسارق أو قاتل دون أن يحقق العدالة للضحية؟!

ليس من حق أي دولة تمارس الفصل العنصري أن تنعم بالأمن حتى تزيل جميع مخالفاتها للقانون الدولي، وما عدا ذلك فإن أي حديث عن أمن ما يسمى "إسرائيل" هو هرطقة ونفاق وتلاعب بالمنطق والقانون الدولي وحق العرب والمسلمين والفلسطينيين الثابت الذي لن يتم التنازل عنه مطلقا، وسيبقى مهددا للأمن والسلم العالمي إلى أن يتم تحقيق العدالة للفلسطينيين دون نفاق أو مواربة أو لف ودوران.

لقد قام الكيان الصهيوني المسمى "إسرائيل" على التطهير العرقي للسكان الأصليين العرب-الفلسطينيين، وإنما يتم تحقيق الحد الأدنى من العدالة بتحقيق ما يلي:

1-  إنهاء سياسة الفصل العنصري في الشكل الجديد للدولة في فلسطين والتي ستكون دولة لكل مواطنيها، واعتبار كل شخص يؤمن بأفضلية عرق على عرق أو دين على دين أو لون على لون مجرما مكانه السجن، وليس مشاركا في رسم السياسات ومتخذا للقرارات كما هو الحال في دولة الكيان المجرمة المدعوة "إسرائيل".

2-  تنفيذ حق العودة للشعب الفلسطيني لأي بقعة من فلسطين دون أي انحراف عن النص الحرفي للقرارات الأممية ذات الشأن.

3-  جميع فصائل المقاومة، وعلى راسها المقاومة الإسلامية حماس، هي جزء أساسي من حركة النضال والكفاح المسلح المشروع ضد الاحتلال والفصل العنصري والتمييز العرقي والديني. ومن حق هذه الفصائل أن تشارك في الشكل الجديد للدولة سياسيا وإداريا وفي كافة مناحي الحياة.

إن أي تعاطف مع الحق الفلسطيني لا يستوفي هذه المبادئ هو تعاطف الأعلى مع الأدنى، وهو يضرُّ القضية أكثر مما ينفعها. كما أن الحديث عن أمن ما يسمى إسرائيل دون إنهاء الفصل العنصري وتنفيذ القرارات الدولية، وأبرزها حق العودة، هو حديث عن حماية مجرم قاتل من المحاكمة، وهو ذر للرماد في العيون وضحك على الذقون.

العالم اليوم بين خيارين لا ثالث لهما: أولها تحقيق العدالة للفلسطينيين، وهو ما قد يمنحه شيئا من الأخلاقية للاستمرار ومواجهة أزماته الصعبة في الاقتصاد والبيئة وغيرهما، وثانيهما أن ينفجر الاحتقان لملياري مسلم يشعرون بالاضطهاد والظلم فيكون وبالا على العالم باسره.

يبدو أن السيد لافروف يتحدث بما يسمعه من السياسيين في بلادنا العربية والشرق الأوسط، وليس بما يمليه الحق والعدل والمنطق. وينبغي هنا أن نشير إلى أن هؤلاء السياسيين في منطقتنا لا يطرحون أنفسهم قادة لنظام عالمي جديد كما تفعل روسيا. فإذا ما أصرت روسيا على تقديم نفسها على أنها رائدة العالم الجديد، فعليها أن تقدم طرحا ثوريا ينحاز للعدالة والحق، وألا تمارس النفاق لأدوات الإمبريالية العالمية كما تفعل اليوم. وما عدا ذلك فإنه ينبغي على قوى التحرر في منطقتنا أن تنظر إلى روسيا على أنها إمبريالية ناشئة تسن أسنانها لكي تفعل كما يفعل غيرها من القتلة والمجرمين في هذه الغابة الموحشة.

 

 


الخميس، 23 نوفمبر 2023

الحق الفلسطيني والتأثير على الرأي العام العالمي

 

بقلم: علي طه النوباني

تَجوَّلَ وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في العديد من العواصم العربية والإسلامية متحدثا عما أسماه حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسه. وكم كان مؤلما ألا نجد بين الساسة العرب مَن يَردُّ على بلينكن مؤكدا على حق الشعب الفلسطيني الأصيل والثابت في القانون الدولي في الكفاح ضدَّ الاحتلال بكل الطرق الممكنة مِن أجل تقرير مصيره على ترابه الوطني. وأبعد من ذلك فإن أحدا لم يقل له أن المستوطنين هم سكان غير شرعيين سرقوا أرض الفلسطينيين بالقوة، وهجَّروا أصحابها الأصليين، وأنهم جميعا مُجندون في قوات جيش الكيان الصهيوني أو على قوائم الاحتياط، وهم مسلحون ويرتكبون الجرائم بشكل يومي ضد الفلسطينيين العزل، ولا يجوز التعامل معهم على أنهم مدنيون.

لقد قَدَّم بلينكن السردية الصهيونية بكل ما فيها من تزوير وانحياز وخيانة للحقيقة، وبكل ما لها من دعم متعدِّد المصادر وغير محدود يمتد من الفضائيات ووكالات الأنباء مرورا بالمشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي، ووصولا إلى الجماعات التي نظمتها الصهيونية للتلاعب بالرأي العام وتزوير المعلومات وقلب الحقائق. وإذا نظرنا على الجانب الآخر إلى السردية الفلسطينية، فإننا نجدها قائمة على جهود فردية مشتتة هنا وهناك تحتاج إلى الكثير من التنظيم والدعم لكي تكتسب الاستمرارية والقوة في مواجهة البروباغندا الصهيونية، ولكيلا تكون مجرد موجة مرافقة لطوفان الأقصى تنتهي بانتهاء المعركة.

ربما كان ملحوظا طوال فترة هذه الاعتداءات الوحشية على غزة أن عاملين رئيسين يتحكمان في إمكانية الوصول إلى وقف إطلاق النار، أولهما الوضع الميداني للقتال، وثانيهما ضغط الرأي العام العالمي الذي يضغط على الحكومات الغربية بحكم طبيعة تلك الأنظمة التي تعتمد على الانتخابات والحزبية ضمن الأشكال الديمقراطية التي تؤطر الدولة هناك، ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أن ذلك لا ينطبق بالمقدار نفسه على الدول غير الديمقراطية التي لا يهمها صوت المتظاهرين ولا مشاركتهم في الانتخابات لأنها تستطيع أن تستخرج الموتى لكي يصوتوا ثم يعودوا إلى قبورهم غير آمنين، ولأن الأحياء أحيانا يتمنون الانضمام إلى سكان القبور لأنَّ قدرة سكان القبور على الفعل والتأثير أعلى من قدرتهم.

وعلى سبيل المثال فإن أهم أدوات العمل للتأثير في الرأي العام العالمي هي وسائل التواصل الاجتماعي، ولعل أبرزها الفيسبوك وإكس (تويتر سابقا)، وربما يكون معروفا للجميع أن فيسبوك يُصمم قوانينه وخوارزمياته لدعم السردية الصهيونية، ومعاداة السردية الفلسطينية. أما تويتر فيقدم هامشا واسعا لحرية التعبير، ويسمح لجميع الأطراف بطرح آرائهم دون تحيز فضلا عن أن تويتر هو الأقوى في التأثير على الرأي العام، وعلى كل حال فإن تويتر حاليا يتعرض لضغوط هائلة من الصهيونية لكي ينحاز لسرديتهم المزيفة وهو ما يتطلب البحث عن بدائل تساعد في تحقيق الأهداف المنشودة.

وإذا ما دخلنا إلى تويتر في هذه الأيام وبدأنا بالبحث عن الأشخاص الذين يحاولون تقديم السردية الفلسطينية باللغة الإنجليزية لكي يؤثروا في الرأي العام العالمي؛ فسنجد أن عدد صانعي المحتوى أو المتفاعلين معهم بالإعجاب أو بإعادة المشاركة قليل جدا بالمقارنة مع العدد الكلي للعرب والمسلمين ومناصري القضية الفلسطينية في العالم.

عندما نقوم بالبحث عن صفحات الصحفيين والناشطين في غزة والضفة الغربية، نجد أشخاصا كثيرين حاولوا ونشروا رسائل إعلامية قوية ومتنوعة لكنَّ صفحاتهم لا يتابعها سوى العشرات، بل إن بعض منشوراتهم المهمة لم تحظ بإعجاب واحد أو مشاركة واحدة. وعبر فترة طوفان الأقصى نجد أن العديد منهم إما استشهدوا أو انقطعت عنهم الاتصالات فانقطعت منشوراتهم.

ولسخرية القدر، كلنا نذكر أن شخصا ما كان يلفق صورة مزورة أو فيديو مفبرك ويكتب عنده: "لا تخرج قبل أن تقول كذا" كان يحصل على مائة ألف إعجاب وأكثر، فأين اختفى ذلك الجمهور عندما صرنا بحاجة للتأثير على الرأي العام بما يدافع عن مصالحنا كأمة وليس من أجل ربح مالي أو نجومية شخصية أو تسلية عبثية أحياناً.

أعتقد أن ذلك يعود إلى أسباب عديدة منها قلة العارفين بأهمية كسب تأييد الرأي العام وأساليب التأثير والإقناع، ومنها أيضا القوانين التي تحد من حرية الرأي، وتجعل الإنسان خائفا من مشاركة أي شيء أو مجرد التعبير عن الإعجاب به مهما كان يعبر عن الحق والصواب. ولكن السبب الأهم هو عدم وجود مؤسسة أو مؤسسات عربية تتبنى التأثير على الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية بكل الوسائل الممكنة، وتضع الاستراتيجيات اللازمة لذلك بحيث تميز بين قصير المدى منها مثل فترة طوفان الأقصى، وطويل المدى منها والذي يستمر العمل به مهما كانت الظروف. كما أن وجود هذه المؤسسة أو المؤسسات من الممكن أن يؤدي إلى وضع استراتيجيات لمقاطعة مواقع التواصل الاجتماعي التي تنحاز لترجيح كفة على أخرى مثل فيسبوك وممتلكاته الأخرى مثل واتساب وإنستجرام.

ربَّ قائلٍ بأن الفضائيات تقوم بهذا الدور، لكن الفضائيات تؤطر المحتوى وتضع له حدوداً لا تناسب مصلحة القضية الفلسطينية دائما، وعلى سبيل المثال فإن أكبر فضائية عربية رغم دعمها الواضح للقضية الفلسطينية لا تتطرق إلى مسألة حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، ولا تتطرق لتوضيح عدم شرعية الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا تتحدث عن حق العودة للشعب الفلسطيني، وهي حدود تقررها الدولة المضيفة للفضائية التي تؤطر العمل الإعلامي وتقرر ما يقال وما لا يقال بغض النظر عن مصلحة القضية وحقوق الشعب الفلسطيني، كما أن تاريخ الفضائية ودخولها في معتركات خِلافية في الزمن الماضي يؤثر سلبا على ما تقدمه في معترك آخر حتى لو كان تناولها له فيه شيء من الموضوعية.

إذن نحن بحاجة إلى مؤسسة أو أكثر تتبنى التأثير على الرأي العام؛ تقوم على حقوق الشعب الفلسطيني كما هي مقررة وثابته في القوانين الدولية والقرارات الأممية؛ وعلى رأسها حق العودة والحق في الكفاح ضد الاحتلال بكل الطرق الممكنة، والحق في تقرير المصير، هذا من الجانب الأول، ومن الجانب الثاني تقوم بفضح انتهاكات الكيان الصهيوني لهذه الحقوق بالكلمة والصورة وكافة الأساليب الممكنة، ويبقى الشرط الأهم هو ثبات المبدأ الأساسي وهو عدم تأثير المحاور السياسية المتصارعة في المنطقة والعالم على هذه المؤسسة وعلى عملها بأي شكل من الأشكال، وإنما يضمن ذلك بعدها عن الانحياز لأي طرف سوى رسالتها وهي الحق الفلسطيني كما هو مقرر في القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة.

وإلى أن تظهر مؤسسة قوية للحديث عن الحق الفلسطيني لا تمل تقديم السردية الفلسطينية الحقيقية لكل شعوب العالم، ولا تمل الحديث عن الكفاح ضد الاحتلال بما في ذلك الكفاح المسلح، ولا تمل التأكيد بكل الطرق الممكنة على حق العودة وتقرير المصير، فإن جهودنا ستبقى موجات هابطة وصاعدة حسب الحدث بما لا يضمن ضغطا مستمرا ولا يحتفظ حتى بالمناصرين الذين يتعرضون لضغوط هائلة تصل إلى حد التهديد بقطع أرزاقهم، بل أعناقهم أحيانا.