الثلاثاء، 24 يونيو 2014

كلنا فَلْسى يا غالب


بقلم : د. شفيق طه النوباني
لو اكتفى غالب هلسا بالعيش في الأردن دون أن يسافر إلى بلدان أخرى لتحول إلى "غالب فلسى" بعد أن يشهر إفلاسه، ليس لأن الأردن بلد لا يستطيع إنتاج مبدعين بهذه السوية، ولكن بسبب عقدة النقص الموجودة لدى المبدعين الأردنيين أمام مبدعي الأقطار العربية الشقيقة، والحقيقة أن هذا الشعور غير مكرس لدى الجهات الرسمية التي تدعي رعايتها للثقافة في الأردن بقدر ما هو مكرس لدى مؤسسات المجتمع المدني الثقافية التي يقوم عليها من يدعون أنهم نخبة المثقفين.
والناظر في المشهد الثقافي الأردني سيجد العديد من المظاهر الدالة على صحة هذه المقولة، وفي الجوائز التي أعلنت عنها رابطة الكتاب الأردنيين التي تعد أكبر مؤسسة مجتمع مدني تعنى بالمثقفين والكتاب ما يشير إلى هذه العقدة بعمق، إذ أعلنت الرابطة هذا العام عن ثلاث جوائز أدبية؛ جائزة غالب هلسا التي نالتها الروائية المصرية رضوى عاشور، وجائزة بدر عبد الحق التي نالها الناقد والكاتب المغربي سعيد بنكراد، وجائزة رفقة دودين التي جاءت في ثلاثة حقول، حقل الإبداع السردي الذي منحت جائزته مناصفة بين يوسف ضمرة وجلال برجس، وحقل نقد السرد الذي حجبت جائزته، وحقل العمل التطوعي الذي نالته جمعية نادي الإبداع في الكرك.
جائزة لأديبة عربية نالت حظا وافرا من المكانة والشهرة، وأخرى لأكاديمي له منجز غزير في مجال النقد، وكلا الجائزتين لن تضيفا إليهما بقدر ما تضيف إلى منسقي الجائزة بحسب رأي بعض أعضاء الرابطة، إذ رأوا أن هاتين الجائزتين جاءتا من أجل تعميق التشبيك مع مثقفي الأقطار العربية الأخرى لدى منسقي الجائزة، أما الجائزة التي جاءت على مستوى الأردن، فقد بدا فيها "التوجيب" و"الأخذ بالخاطر" في حقلين والحجب في حقل النقد. فبما أن رفقة دودين رحمها الله عاشت طيلة حياتها في الكرك، فلتذهب إحدى الجوائز إلى الكرك، في حين يمكننا أن نجعل الجائزة تذهب مناصفة بين قاص له سيرة طويلة ومتميزة في كتابة القصة، وأديب متميز أيضا ما زال في أوج عطائه، ويكفي نصف الرضا عند كلا الأديبين، والحقيقة أننا للآن ما زلنا في طور المعقول، فإن أشارت المناصفة إلى تشاور بين لجنة التحكيم ومسؤولي الجائزة إلا أنها تبقى لأديبين نكن لهما ولما يكتبان كل الاحترام والتقدير، غير أن حجب جائزة نقد السرد يبدو بحاجة إلى وقفة أطول.
كثيرة هي الأسئلة التي يمكن طرحها إزاء حجب جائزة هذا الحقل، فهل بدا "التوجيب" في الحقول الأخرى في حين بدت محاولة لتهميش أشخاص معينين في هذا الحقل؟ قد يكون، فالعقلية التي تتعامل بالتوجيب تتعامل بنقيضه. أم أن عقدة النقص تجاه الكاتب الأردني بدت واضحة في هذا الحقل من الجائزة، إذ كان من الممكن أن يكتبوا بإزاء النتيجة: "من أنتم؟" في استرجاع لسؤال المرحوم "معمر القذافي" الأثير، ولم لا تستعير إدارة الرابطة سؤال القذافي وهو شريكهم في الإيديولوجيا التي لم يعرفوا منها غير الإحساس الدائم بالحرب الداخلية، حيث ضاقت دائرة الحرب في هذا المقام لتكون مع أعضاء الرابطة الذين لم يصطفوا معهم في الانتخابات. أم أن أعضاء لجان التحكيم لم يرغبوا في تسليم مشاعل علمهم الوقاد لأحد تلاميذهم من المتقدمين للجائزة؟
لا أستطيع أن أجازف في تناول لجان التحكيم فألقي حكما عاما يطالهم جميعا، فمن بينهم أساتذة علمونا وجلسنا لنكون آذانا صاغية على مقاعد الدرس أمامهم، فلم نكنّ لهم إلا كل عرفان ومحبة وإخلاص، وقد شهد أحدهم لكتابي الذي قدمته لهذا الحقل من الجائزة، فقال إن القارئ سيلاحظ أنه "أمام أديب وباحث جاد يمتلك خبرة أدبية ونقدية مكنته من العكوف على نصوص روائية محددة، واستخلاص قيمها الفنية الكامنة في ثناياها"، في حين أن محكما آخر أشاد بهذا الكتاب الذي هو في الأصل أطروحة دكتوراه قدمت في الجامعة الأردنية، وعندما سئل عن أفضل الرسائل التي يمكن مناقشتها في برنامج "أطروحة جامعية" الذي يبث على إذاعة الجامعة الأردنية اقترح مناقشة أطروحتي، وقد بثت إحدى حلقات البرنامج بالفعل لتعرض لأطروحتي من خلال لقاء أجراه مقدم البرنامج معي. والحقيقة أن حجب الجائزة من قبل هذين المحكمين الفاضلين إنما هو حجب عن أنفسهم فقد أشرف أحدهما على الأطروحة فيما اشترك أحدهما في مناقشتها. لكنني علمت أن أعضاء اللجنة قد توزعوا على الحقول، ولربما انفرد كل واحد منهم بحقل.
لست في معرض الحديث عن تظلّم أو عتاب أو إشادة بما أكتب، ولو كنت أعرف كتابا آخر تقدم لهذه الجائزة لاستشهدت به، ولأشرت إلى قيمته العلمية متجاوزا كتابي، كما أنني لست في صدد مناقشة لجان التحكيم في آرائهم وتقييمهم، ولو أن ناقدا أو كاتبا آخر فاز بهذه المسابقة لما أثرت هذا الموضوع البتة، ولما كان لي الحق في ذلك مهما كان مستوى العمل الحاصل على الجائزة، ولقلت حينها مكتفيا: "مبارك"! بعيدا عن طبيعة هذه "المبارك" سواء أكانت مهنئة أو ساخرة أو عابثة. ولتذهب هذه الجائزة إلى الجحيم كما ذهبت جوائز أخرى، وسأخاطب نفسي قائلا: ومتى أحرزت جائزة منذ أن حصلت على المركز الأول في مسابقة المرحلة الثانوية في مجال المقالة؟ ولربما عرضت صورة لكتبي على "فيس بوك" في إشارة إلى أنني موجود على الرغم من أنني لم أحصل على الجائزة؛ سأعزي نفسي حينها بأي عزاء، لكنني مجبر على التوقف عند هذا الحجب الذي يحمل دلالات لا بدّ من محاولة تفسيرها في إطار طبيعة العمل الذي تنطلق منه رابطة الكتاب الأردنيين، خاصة أن هذه الجائزة جاءت لتشجيع الكتاب الأردنيين أنفسهم.
لا شك في أن للحجب سببا، فليست الجائزة فقط هي المحجوبة، إذ حجب مهرجان جرش عن أبناء جرش من أعضاء رابطة الكتاب الأردنيين، وقد تعمدت الرابطة الأم ذلك، كما أن الحجب لا يتوقف على الرابطة، فكل شيء محجوب، الحقوق محجوبة عن كثير من أصحابها، حتى الماء محجوب، فبيتي خال من الماء منذ ثلاثة أيام بعد أن فرغ الخزان، ولعلك لن ترى أن الحجب يقل إلا في مجلس النوّاب حين يتم التصويت على الثقة لرئيس الوزراء، لن تسمع حينها حجب الثقة إلا نادرا.
نقد الأساتذة الكرام الذين حكموا هذه الجوائز وجوائز أخرى كما هو حال الفلسفة والعلوم البحتة والإنسانية، لم يستطع، للأسف، تحقيق دور حضاري مشهود لدينا، بل إنه لدى بعضهم لا يؤدي دورا في النقد الأدبي، وأحد هؤلاء من غير أساتذتي أراد يوما أن يطبق منهج التفكيك على قصيدة "تنويمة الجياع" للجواهري فنام وعام ولم يبد معرفة للمنهج أو القصيدة أو الدالّ أو المدلول أو لا نهائية الدلالة. وما الذي جنيناه من نقدنا وثقافتنا؟ وما الذي جناه الناس؟ ذهبت داحس والغبراء فجاءت داعش والغبراء! مشاعلكم متعبة يا أساتذتي الكرام، فلتتلطفوا في وجوه تلاميذكم وأبنائكم ولتشدوا على أياديهم لعلهم يستطيعون إشعال خصلة نار، هذا مع أنني لست واثقا، فكلنا فلسى! 


اقرأ أيضاً على حبيبتنا

أنشودة العرب، شعر: علي طه النوباني  

بنما دولة بعيدة... ومُشوِّقة جدا  

الأزمة الاقتصادية، ومصالح الطبقات  

قراءة في رواية دموع فينيس لعلي طه النوباني  

عَهْدُ فلسطين - عهد التميمي  

كذبة نيسان  

الشوكُ جميلٌ أيضا  

«مدينة الثقافة الأردنية».. مراجعة التجربة لتعزيز الإيجابيات وتلافي السلبيات  

المشنقة  

البيطرة  

قصة نظرة  

عملية صغرى  

سيجارة على الرصيف  

بالشوكة والسكين والقلم  

نهاية التاريخ؟ مقالة فرانسيس فوكوياما  

الدولة العربية الإسلامية / الدولة والدين/ بحث في التاريخ والمفاهيم  

شهامة فارس  

جذورالحَنَق الإسلامي برنارد لويس  

صِدام الجهل : مقالة إدوارد سعيد  

صدام الحضارات؟ صموئيل هنتنغتون 

الفضائيات والشعر  

كأسٌ آخرُ من بيروت 

عمّان في الرواية العربية في الأردن": جهد أكاديمي ثري يثير تساؤلات 

تشكّل الذوات المستلبة  

مشهد القصة بين الريف والمدينة  

وحدة الوجدان والضمير  

«المنجل والمذراة».. استبطان الداخل  

دور المثقف والخطاب العام  

جرش: حديث الجبال والكروم  

في شرفة المعنى 

المثاقفة والمنهج في النقد الأدبي لإبراهيم خليل دعوة للمراجعة وتصحيح المسيرة  

!!صديق صهيوني  

عنترُ ودائرةُ النحس  

فجر المدينة  

مقامة الأعراب في زمن الخراب  

دورة تشرين 

الغرفُ العليا  

الصيف الأصفر  

حب الحياة: جاك لندن 

قصة ساعة كيت تشوبن 

قل نعم، قصة : توبايس وولف 

معزوفة الورد والكستناء  

منظومة القيم في مسلسل "شيخ العرب همام"  

ملامح الرؤية بين الواقعية النقدية والتأمّل  

الرؤية الفكرية في مسلسل «التغريبة الفلسطينية»  

"أساليب الشعريّة المعاصرة" لصلاح فضل - مثاقفة معقولة  

كهرباء في جسد الغابة  

جامعو الدوائر الصفراء  

صَبيَّةٌ من جدارا اسمُها حوران  

 


هناك تعليقان (2):

  1. عندما يتحول ما يسمى مثقين إلى عصابات تتفرغ الثقافة من قيمتها

    ردحذف
  2. دونكيشوتية الكتاب . احكولي عن كاتب مشهور عندكو . ما فيكو غير الصوت

    ردحذف