الجمعة، 22 مايو 2020

كورونا، تساؤلات حول منهج المواجهة



بقلم: علي طه النوباني
منذ أعلنت منظمة الصحة العالمية عن فيروس كورونا جائحة عالمية، تغيرت أشياء كثيرة، واختارت كل دولة منهجاً للحدِّ من انتشار الفيروس. وقد علمنا منذ عام تقريباً أنّنا على أبواب انهيارات اقتصادية في العالم في العام 2020؛ لكننا لم نعرف في تلك الأيام أن كورونا سيأتي ليجعل حجارة الدومينو تنهار بهذه السرعة، ولا أحد يعلم أين تصل الأمور.
شاهدت فيديو وردني على الواتس آب لسيدة عربية تعيش في العاصمة السويسرية جنيف، تقول إنها أصيبت بأعراض تشبه الأنفلونزا مع فروق بسيطة، فذهبتْ إلى المستشفى بعد اتصال هاتفي حيث أجروا لها فحصاً مخبرياً، وقالوا لها أنّ النتيجة تظهر بعد حوالي 9 ساعات، وبالفعل أعلموها لاحقاً أنها مصابة بفيروس كورونا، أعطوها خافضا للحرارة ودواء للسعال وطلبوا منها العودة للمنزل بعد إعلامها بشروط منع العدوى وهي أن تحتفظ بمسافة لا تقل عن مترين بينها وبين مخالطيها، وألا تخرج من البيت إلا بعد 14 يومًا من الشفاء التام. وحيث أن السيدة تبدو في الخمسينيات من عمرها، وحيث أن الأعراض التي أصابتها ليست حادة فقد تعاملوا معها مثل حالات الأنفلونزا؛ وطلبوا منها أن تعزل نفسها في المنزل مع تناول الدواء والاحتفاظ بمسافة لا تقل عن مترين عن مخالطيها، ولا بدّ أنهم يعاملون حالات أخرى ذات أعراض أكثر حدة بطريقة أخرى (دخول المستشفى والحصول على الرعاية الصحية مباشرة بما في ذلك الربط على أجهزة التنفس الصناعي إذا لزم الأمر).
سيدة أخرى تعيش في كندا حادثتُها على المسنجر، قالت إن هنالك العديد من إصابات الكورونا لديهم، وقالت إن زوجها عاد منذ قليل من المول بعد شراء بعض الأغراض الضرورية، ما يعني أن كلَّ دولة اختارت منهجاً للحد من انتشار فيروس كورونا يختلف في بعض تفاصيله.
بريطانيا وجَّهت جزءاً كبيرًا من طاقتها لإنتاج أجهزة التنفس الصناعي وتوفير البنى التحتية واستنفرت كبريات شركاتها لهذه الغاية، ورأت أنّ اقتصادها لا يحتمل التعطيل الكامل الذي يعني الانهيار، وقد نحا منحى بريطانيا العديد من الدول مثل أستراليا.
هذا هو المنهج الذي اتبعته هذه الدول، والذي قال: إنَّ من لا يموت بكورونا؛ سيموت بالانهيار الاقتصادي الذي سينتج بالتأكيد عن الوقف الكامل والمفتوح للحياة من أجل مواجهة انتشار الفيروس والذي لا يحتمل كلفته أحد. والمنهج الثاني هو منهج الصين بإمكانياتها العملاقة ونظامها السياسي المختلف والذي يعتمد سلطة مركزية مطلقة تمتلك ثروة هائلة وإمكانات بشرية وتكنولوجية متقدمة ربما لا تتوفر لأي بلد آخر في العالم، ويكفي أن نتذكر العدد الهائل من الكاميرات التي تراقب كل تفاصيل حياة الصينيين فردًا فردًا وتربطها مع حاسوب عملاق لتقدم ما يسمى ب Big data، حيث يتم تحليلها للوصول إلى شجرة المشتبه بإصابتهم وتتبع كل منهم للسيطرة على الفيروس. ومن ذلك أيضاً ما انتشر عن الحالة 31 في كوريا الجنوبية التي تسببت في انتشار الوباء وتحميل كوريا كلفة باهظة رغم تقدمها التكنولوجي.
دول أخرى بإمكانات محدودة جدًا بدأت بتقليد النموذج الصيني، قامت بالحجر على كل أعضاء الشجرة المعقدة للمشتبه بإصابتهم، وأعلنت إجراءات للحد من التواصل الاجتماعي وصلت إلى حظر التجول. وبدا ذلك معقولا بالنسبة ل 50% من الناس، وهم أولئك الذين يمتلكون دخلا شهرياً يكفل لهم تخزين لوازمهم المعيشية في بيوتهم، ولم يفكر أحد بالأعداد الهائلة من البشر الذين يحصلون لقمتهم يومًا بيوم. بل إنَّ وابلًا من النقد والشتم انهال على أولئك الذين لا تناسبهم هذه الخطة القاسية من قبل أولئك الذين قاموا بتأمين حاجاتهم ليناموا في منازلهم ريثما ينحسر الوباء.
ولكن لنتصور معًا لو طلب من أيّ منا أن يتذكر تفاصيل حركته خلال الأسبوع الماضي؛ مثلًا: المحلات التي اشترى منها، الأشخاص الذين التقاهم وسلم عليهم، الجدران والدربزينات التي اتكأ عليها، صالات الانتظار التي جلس فيها والمجلات التي تصفحها وأعادها للطاولة، السيارات والحافلات التي ركبها، النقود التي دفعها والفكة التي استعادها، الورق الصحي الذي استعمله وألقاه في سلال المهملات أو في الشارع كما يفعل البعض، الأماكن التي سعل فيها، وهل استخدم منديلا أم لا... الخ من هذه الاحتمالات التي لا حصر لها، والتي تحتاج إلى حاسوب ليتذكرها.. أقول: لا بأس من محاولة التتبع، لكن ذلك لا يغني أبداً عن حسابات الموازنة بين مواجهة الوباء من جهة، والحدِّ من الخسائر الاقتصادية من جهة أخرى.  
وفي هذه الظروف، يبرز الكثير من الأسئلة:
ألا ينتج عن الوقف الكامل للحياة وإطلاق صفارات الإنذار المرعبة خوف شديد يضعف المناعة ويعرض الناس لمزيد من الخطر؟
ألا يمكن اختيار حل وسط بين وقف الحياة من جهة وانتشار المرض من جهة أخرى كما فعلت الكثير من الدول؟ ويكون ذلك بتوعية الناس، والإلحاح على تحسين تعاملهم في مثل هذه الظروف؟ وصرف جزء كبير من الكلفة على توفير أدوات الوقاية وأجهزة التنفس الصناعي والتوعية.
هل يناسبُ الناسَ أسلوبُ وسائل الإعلام في التوعية؟ إنه أسلوب أبويٌّ عقيمٌ يحتفظُ بالجلافة والأبويّة القديمة التي تثير في الإنسان الرغبة في التمرد، لماذا لا يظهر لدينا أسلوب إعلامي يحترم الإنسان ويتشارك معه ليشعره بأنه جزء من الحل وليس جزءًا من المشكلة.
ماذا لو استمر الحال شهورا أو أعواما؟ هل تتوقف الحياة؟
ألم يلاحظ أحد أن الغالبية العظمى من ضحايا كورونا في إيطاليا مثلا هم ممن أعمارهم فوق الثمانين عاماً في الوقت الذي نقول فيه عمن يصل الستين في بلادنا أنه عاش الدهرين بسبب القهر والضيم والاكتئاب. وما هي خصوصية الفيروس في بلادنا، هل يسلك السلوك نفسه مع الفئات العمرية، وهل تحتمل اقتصاداتنا المنهكة الآثار الاقتصادية المرعبة لوقف عجلة الحياة، وهل هنالك من قام بحساب معقول للموازنة بين المنهجين، أم أننا سنتفاجأ بعد جائحة كورونا بجائحة الجوع والانهيار الاقتصادي التي لا تقل خطرًا عن كورونا.
ألم تعلم الحكومات أنَّ الاكتئاب الذي نشرته هي بسياساتها الفاشلة قد أضعف مناعة الناس وأمات منهم أكثر من كل ضحايا كورونا في العالم، وإذا كان الإنسان غالياً وعزيزًا هكذا؛ فلماذا لم تهبوا لإنقاذه من اليأس والجوع والمهانة، ومن أيدي الطغاة والمتسلطين على رقاب العباد من عشرات السنين؟
أسئلة كثيرة، تحتاج إلى المحبة والتشاركية والهدوء وليس التشنج والشدّ والفوقية، وتحتاج إلى احترام عقول الناس وليس لغة طلب التنفيذ دون وعي أو فهم. وفي نهاية المطاف فإنني أؤكد على ضرورة الموازنة المعلنة بين المناهج المختلفة في التعامل مع الوباء وبصوت مرتفع يسمح للجميع بالتفكير والمشاركة، فالحديث عبر الهاتف مع قناة تلفزيونية للحوار حول الفيروس لا ينقل الفيروس وإنما يثري الأفكار ويشعر الجميع بأنه مشارك في المواجهة، ويقلل من الخوف والشعور بالوحدة في مجتمعات اعتادت على التماسك والتواصل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق