الأحد، 20 مارس 2011

مقامة الأعراب في زمن الخراب



يحكى أن بلادا تفشى فيها داء الطمع ، وأصبح الحق فيها غريبا ، والمطالبة به نوع من الدلع ،فأمسك الزمام ظالم بعد ظالم ، ولم ينفع الناس صبر ولا تمائم ، واختفت في لجة الفوضى كل المكارم ، فلا من سامع إذا بكى الأطفال جوعا، ولا من منجد إذا تفجر الظلم ينبوعا ،ولا من ربوة تعصم الفقراء ، من جشع السماسرة والوكلاء ، حتى إذا استفحل الداء ، وعز الطبيب والدواء ، تنادى الناس في الأرجاء ، وعلا هرجهم في الفضاء.
نحن الآن في صبوة السكارى ، والهم كأس تدور على الأعراب في الصحارى ، والديار التي كانت قديما ديارا ، هي الآن نهب لكل غشاش فاسق يوقد فوق الجرح نارا، ولوثة الزمن السقيم ، قد أسكنتنا في الجحيم ، مثلما جعلت الأسد فارا ، فإذا ما رأيت مسؤولا ، ينصحك بأن تأكل الفولا ، فاعرف بأن صمتك هو الذي أوحى لمثله بأن يصول وأن يجولا ، وإذا ما رأيت أفاقا يختال مثل طاووس ، الناس تموت قهرا وهو يقرع الكؤوس ، فاعرف بأن هذا ـ لو سادت العدالة ـ لمات في الحبوس ، ولكسر المظلومون أنفه بالمعاول والفؤوس .
وتساءل الناس من أين يخرج المرتشون ، فيجوع الناس وهم جرب البطون ، ويتسمر الأطفال مثل الحجارة وهم يلعبون ، وتتوقف الحياة عن دورانها وهم يتكاثرون ، والحق المسجل من ألف عام لزيد يصير لزيدون .
وتساءل الناس لماذا جاءت الحكومات ، وتزين رجالاتها بالأوسمة والياقات ، وتقاسموا ثروة الناس وتركوهم على الفتات ، فانبعث أولادهم أسيادا ، وبقي الشعب طوال العمر أولادا ، قواد يورثهم قوادا ، فعذبوا كل من يحلم بالسعادة ، ومنحوا المجرمين أوسمة البلادة ، وصارت جهنم للمساكين عيادة .
وتساءل الناس عما هو الأصعب ، لطمة الحكام أم لطمة الأقدار ، والظلم في الليل أم الظلم في عز النهار ، والبكاء على الأطلال أم البكاء في قلب الديار .
وتساءل الناس عمن ربط أفواههم بالسلاسل ، وجعل من كرامتهم حذاء للشعوب والقبائل ، وبدّل غزلانهم بالقرود والتنابل ، فأصبحوا مهزلة الشعوب ، وقد كانوا الأوائل .
هكذا حزم الناس متاعهم وفروا في الزمن ، وتساءلوا حتى عن معنى الوطن ، هل هو الأرض والتراب والهواء ؟ هل هو الموت في خدمة الأسياد والوكلاء، وسيادة الفوضى ومهزلة الولاء .
هكذا لم يبق من الطوفان غير الأسئلة ، وأجمع الناس أنهم لم يحصدوا من الأوطان غير البهدلة ، وربما يدركون يوما بأنه ليس هنالك أنظمة منزلة ، لكي يرفعوا رؤوسهم ، ويصنعوا من سفرها بسملة.



اقرأ أيضاً على حبيبتنا

أنشودة العرب، شعر: علي طه النوباني  

بنما دولة بعيدة... ومُشوِّقة جدا  

الأزمة الاقتصادية، ومصالح الطبقات  

قراءة في رواية دموع فينيس لعلي طه النوباني  

عَهْدُ فلسطين - عهد التميمي  

كذبة نيسان  

الشوكُ جميلٌ أيضا  

«مدينة الثقافة الأردنية».. مراجعة التجربة لتعزيز الإيجابيات وتلافي السلبيات  

المشنقة  

البيطرة  

قصة نظرة  

عملية صغرى  

سيجارة على الرصيف  

بالشوكة والسكين والقلم  

نهاية التاريخ؟ مقالة فرانسيس فوكوياما  

الدولة العربية الإسلامية / الدولة والدين/ بحث في التاريخ والمفاهيم  

شهامة فارس  

جذورالحَنَق الإسلامي برنارد لويس  

صِدام الجهل : مقالة إدوارد سعيد  

صدام الحضارات؟ صموئيل هنتنغتون 

الفضائيات والشعر  

كأسٌ آخرُ من بيروت 

عمّان في الرواية العربية في الأردن": جهد أكاديمي ثري يثير تساؤلات 

تشكّل الذوات المستلبة  

مشهد القصة بين الريف والمدينة  

وحدة الوجدان والضمير  

«المنجل والمذراة».. استبطان الداخل  

دور المثقف والخطاب العام  

جرش: حديث الجبال والكروم  

في شرفة المعنى 

المثاقفة والمنهج في النقد الأدبي لإبراهيم خليل دعوة للمراجعة وتصحيح المسيرة  

!!صديق صهيوني  

عنترُ ودائرةُ النحس  

فجر المدينة  

مقامة الأعراب في زمن الخراب  

دورة تشرين 

الغرفُ العليا  

الصيف الأصفر  

حب الحياة: جاك لندن 

قصة ساعة كيت تشوبن 

قل نعم، قصة : توبايس وولف 

معزوفة الورد والكستناء  

منظومة القيم في مسلسل "شيخ العرب همام"  

ملامح الرؤية بين الواقعية النقدية والتأمّل  

الرؤية الفكرية في مسلسل «التغريبة الفلسطينية»  

"أساليب الشعريّة المعاصرة" لصلاح فضل - مثاقفة معقولة  

كهرباء في جسد الغابة  

جامعو الدوائر الصفراء  

صَبيَّةٌ من جدارا اسمُها حوران  

 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق