السبت، 15 يناير 2011

قصة ساعة


قصة ساعة

كيت تشوبن

 ترجمة :فتح كساب



       أخبرت السيدة مالارد بخبر وفاة زوجها بأقصى درجات الحذر والتحفظ ، لعلم من جاء بالخبر بأنها تعاني من اضطرابات قلبية .
        كانت أختها جوزيفين هي من أخبرها بالنبأ ، وبجمل متقطعة وبتلميحات مقنعة أظهرت بنصف إخفاء . وكان صديق زوجها – ريتشارد هناك أيضا إلى جانبها .
        حيث كان ريتشارد من أوائل المتواجدين في مكتب الصحيفة عندما وصل نبأ مأساة حادث القطار . وكان اسم برنتلي مالارد على رأس قائمة القتلى .
        لم يمكث إلا الوقت القليل للتأكد من الخبر بعد وصول برقية ثانية تؤكد المأساة ، واستعجل بحمل النبأ حتى لا يقوم أحد الأصدقاء بنقل الرسالة المحزنة بطريقة أقل حذرا منه .
        لم تسمع القصة كما تسمعها العديد من النساء وكن مشلولات و عاجزات عن تقبل وقع الخبر عليهن .
        بكت بسرعة وبشكل مفاجئ مستسلمة بين ذراعي شقيقتها . وعندما استهلكت عاصفة الحزن نفسها ، ذهبت إلى غرفتها وحدها ولم تسمح لأحد أن يتبعها .
        كان هناك ، في مواجهة النافذة المفتوحة ، كرسي واسع مريح بأذرع جانبية . غرقت فيه ، مستسلمة للإنهاك الجسدي الذي استحوذ على جسدها وبدا كأنه سيصل إلى روحها . وكانت ترى من المربع الواقع أمام بيتها قمم الأشجار متراقصة لحلول حياة جديدة مع قدوم الربيع ، وكانت رائحة المطر اللذيذة تملأ الجو حولها .
        وفي الشارع كان هناك بائع جوال يصرخ لبيع بضاعته . ووصلت إليها نغمات أغنية من بعيد وصوت شخص يغنيها ، وصلت إليها خافتة وأعداد لا تحصى من العصافير تزقزق في الشرفات .
        وكان يظهر من بين الغيوم المتكدسة التي تواجه النافذة بقع من اللون الأزرق هنا وهناك .
        وجلست في الكرسي -  بلا حراك – ورأسها ملقىً إلى الخلف على وسادة الكرسي ؛ ما عدا التنهيدات التي تخرج من حنجرتها وتهزها ، مثل طفل يبكي لينام و تخرج منه تنهيدة في أحلامه .
        كانت شابة ذات وجه جميل وهادئ ، وتقرأ من خطوطه اضطهادا وحتى قوة معينة . أما الآن فتظهر في عيونها نظرة بلهاء ، بحيث تركزت نظرتها بعيداً هناك في واحدة من البقع الزرقاء . ولم تكن تلك النظرة نظرة ردة فعل ولكنها كانت تشير إلى توقف التفكير الذكي .
       كان هناك شيء قادم إليها وكانت تنتظره بخوف . ما هو ؟  لم تعرف . كان شديد الغموض و محيراً ولا يمكن إطلاق اسم عليه . لكنها شعرت به يزحف من السماء تجاهها عن طريق الأصوات و الروائح العابقة التي ملأت الجو . ارتفع صدرها وهبط بشكل مضطرب . وبدأت تدرك أن هذا الشيء يقترب منها ليستحوذ عليها ، وكانت تكافح لترده بقوة إرادتها التي كانت ضعيفة مثل يديها البيضاوين الضعيفتين . وعندما تركت نفسها بعض الشيء هربت كلمة هامسة من بين شفتيها المفتوحتين قليلاً ، ثم كررتها مراراً بصوتها المنخفض "حرة ، حرة ، حرة " والنظرة المحدقة في الفراغ و نظرة الرعب اللتان تلتا ذلك غادرتا عيونها.وبقيت عيونها متحفزة ومشرقة . وخفقت نبضاتها بسرعة ، ودفء الدم المتدفق أراح كل جزءٍ في جسمها . ولم تتوقف لتسأل إذا ما كان هنالك فرح وحشي قد استحوذ عليها . وكان هناك فهمٌ واضح و مدرك مكَّنها من صرف تلك الفكرة على أنها تافهة . وعرفت أنها سوف تنوح مرة أخرى عندما ترى الأيدي الحانية الرقيقة يلفها الموت ؛ وذلك الوجه ، الذي لم يظهر لها سوى الحب ، عندما يظهر جامداً و رمادياً و ميتاً .
       لكنها رأت وراء تلك اللحظة المريرة سنوات طويلة متعاقبة ستكون لها بالمطلق . وفتحت ذراعيها لاستقبالها . لن يكون هناك أحد تعيش من أجله في السنين القادمة ؛ ستعيش لنفسها . ولن تكون هناك أي قوة توجهها نحو ذلك الوجود الأعمى والذي بسببه يعتقد رجال ونساء أن لهم الحق بفرض إرادتهم على الكائنات الصديقة لهم . والنية العفوية أو القاسية جعلت ذلك الفعل يبدو كأنه لا يقل عن جريمة عندما نظرت إليه في تلك اللحظة الوجيزة من الوضوح . و مع ذلك فقد كانت تحبه أحياناً . و غالباً لم تكن تحبه . كيف يمكن النظر إلى الحب ، ذلك اللغز المحير ، في وجه امتلاك تأكيد الذات و الذي أدركت بشكل مفاجئ أنه التحول الأقوى في وجودها . "حرة ! روحاً و جسداً حرة " تابعت هامسة .
       و كانت جوزيفين تنحني أمام الباب المغلق و شفتاها على ثقب المفتاح ترجو أن يسمح لها بالدخول " افتحي الباب يا لويز ، أرجوكِ افتحي الباب _ سوف تقودي نفسك للمرض . ماذا تفعلين يا لويز ؟ افتحي الباب لأجل الرب " .
      " اذهبي بعيداً . لن أُمرض نفسي " .
      لا . كانت تتشرب إكسير الحياة من خلال تلك النافذة المفتوحة . لقد كانت بهجتها تتراكض على غير هدى في تلك الأيام القادمة .
      أيام الربيع و الصيف و كل أنواع الأيام ستكون لها . و تنفست صلاة سريعة من أجل طول العمر . فبالأمس فقط فكرت بشكل مخيف أن الحياة قد تكون طويلة .
     وقفت منتصبةً وفتحت الباب تحت إلحاح شقيقتها . كان هناك انتصار محموم في عينيها ، وحملت نفسها بشكل غبي مثل إلهة النصر . أمسكت بخصر شقيقتها و هبطتا الدرج سوياً . وكان ريتشارد واقفاً بانتظارهما في الأسفل .
     في تلك اللحظة كان أحدهم يفتح الباب بمفتاح المزلاج . لقد كان برنتلي مالارد هو من دخل ، شاحباً قليلاً من أثر السفر ، و يحمل بشكل هادئ حقيبة السفر و المظلة . لقد كان بعيداً عن مسرح الحادث ، و حتى أنه لم يكن يعرف بوجود حادث أصلاً . وقف مذهولاً من صرخة جوزيفين الحادة ؛ وحركة ريتشارد السريعة لإبعاده عن مرمى نظر زوجته . ولكن ريتشارد تأخر كثيراً .
     و عندما حضر الأطباء قالوا أنها ماتت نتيجة مرض قلبي ، من الفرحة القاتلة .
    

اقرأ أيضاً على حبيبتنا

أنشودة العرب، شعر: علي طه النوباني  

بنما دولة بعيدة... ومُشوِّقة جدا  

الأزمة الاقتصادية، ومصالح الطبقات  

قراءة في رواية دموع فينيس لعلي طه النوباني  

عَهْدُ فلسطين - عهد التميمي  

كذبة نيسان  

الشوكُ جميلٌ أيضا  

«مدينة الثقافة الأردنية».. مراجعة التجربة لتعزيز الإيجابيات وتلافي السلبيات  

المشنقة  

البيطرة  

قصة نظرة  

عملية صغرى  

سيجارة على الرصيف  

بالشوكة والسكين والقلم  

نهاية التاريخ؟ مقالة فرانسيس فوكوياما  

الدولة العربية الإسلامية / الدولة والدين/ بحث في التاريخ والمفاهيم  

شهامة فارس  

جذورالحَنَق الإسلامي برنارد لويس  

صِدام الجهل : مقالة إدوارد سعيد  

صدام الحضارات؟ صموئيل هنتنغتون 

الفضائيات والشعر  

كأسٌ آخرُ من بيروت 

عمّان في الرواية العربية في الأردن": جهد أكاديمي ثري يثير تساؤلات 

تشكّل الذوات المستلبة  

مشهد القصة بين الريف والمدينة  

وحدة الوجدان والضمير  

«المنجل والمذراة».. استبطان الداخل  

دور المثقف والخطاب العام  

جرش: حديث الجبال والكروم  

في شرفة المعنى 

المثاقفة والمنهج في النقد الأدبي لإبراهيم خليل دعوة للمراجعة وتصحيح المسيرة  

!!صديق صهيوني  

عنترُ ودائرةُ النحس  

فجر المدينة  

مقامة الأعراب في زمن الخراب  

دورة تشرين 

الغرفُ العليا  

الصيف الأصفر  

حب الحياة: جاك لندن 

قصة ساعة كيت تشوبن 

قل نعم، قصة : توبايس وولف 

معزوفة الورد والكستناء  

منظومة القيم في مسلسل "شيخ العرب همام"  

ملامح الرؤية بين الواقعية النقدية والتأمّل  

الرؤية الفكرية في مسلسل «التغريبة الفلسطينية»  

"أساليب الشعريّة المعاصرة" لصلاح فضل - مثاقفة معقولة  

كهرباء في جسد الغابة  

جامعو الدوائر الصفراء  

صَبيَّةٌ من جدارا اسمُها حوران  

 

      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق